كوميديا المدن

لا يبدو الوضع في المدن سواء تلك المدن الصغيرة أو الكبيرة مختلف عن بعضه البعض بل يكاد يكون متشابها جداً فلو استقطعت جزء من إحدى المدن كمجموعة من الأحياء والطرق والمباني ونقلته إلى مدينة أخرى لن تجد فرقاً حتى في مسميات الطرق والأحياء وحتى الأخطاء التخطيطية والمجسمات والأفكار ستنتقل معك لأنها جزء من تلك الكوميديا التي تأسرنا به المدن طويلاً.

تلك الكوميديا ليست غريبة جداً عنا بل تكاد تتكرر في أمور كثيرة فمستقبل كل المدن يوضع من خلال قالب موحد في كل شيء ومحاولة الخروج عنه هو خروج عن المألوف الذي لا يطيقه صانعي القالب لأنه سيجبرهم على تغيير مواصفات القالب كل مرة فهم لم يعتادوا كثيراً عملية التغيير ولا يدعمون مراحل التطوير التي تمر بها المدن بل يعملون دوماً على تكرار نتاجهم وأفكارهم وحتى وأن كان التكرار معيباً ومشوهاً.

لا يمكن أن تنشئ مدينة على قواعد بناء هشة تعتمد في وجودها على الوعود المجردة والبيانات المتنصلة دوماً من المسئولية ولا يمكن أن تخلق وعياً في المجتمع دون أن تصنع له هدفاً من الحياة في تلك المدينة ولا يمكن أن تبني مستقبلاً لمدن لم تضع في داخلها كافة المفاجئات والفرص التي تغري ساكنيها وزائريها كل مرة للاحتفاء بها ولا يمكن أن تحقق تطوراً للمدينة وهي ما زالت في نظر من يخططها ومن يتاجر فيها ليست إلا مساحة ومقابل مادي يساوم على زيادته بالاحتفاظ بها أكبر قدر ممكن.

إذا أردنا للمدن أن تتطور فعلياً لتصنع حضارة تبقى للأجيال فذلك يعني أن على الجهات المسئولة عن ملف تطوير المدينة أن تدع عنها سلسلة الكوميديا التي تصنعها بتكرار داخل المدن بشكل ملفت وتترك عنها ذلك القالب الهزيل الذي تنشد صنعه من كل مدينة وتتجه لقراءة ماضي كل مدينة كما هو دون توهم أو سوء تقدير وتبني من أجله مستقبلاً واقعياً وطموحاً يعنى بأن تكون للمدن ومجتمعاتها أهدافاً فعلية تنتج فكراً وحضارة لا سراب وكوميديا هزيلة.

تذكرة مغادرة : يقول ستيفن هوكينج : ” أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل بل وهم المعرفة “ .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :