متلازمة التخطيط !

أنتبه! لا تحرك شيء قبل أن تخطط لكل شيء، من الوهلة الأولى قد يكون الأمر منطقياً نوعاً ما نظراً لأهمية التخطيط والدور الذي يقوم به من رفع درجة التنسيق مما يحقق نتائج ذات أفضلية مقارنة فيما لو لم يكن هنالك تخطيط من الأساس.

التخطيط مرحلة خطية في مسار الإنجاز تسبقه مراحل وتتبعه مراحل ولكن حينما يصبح التخطيط حلقة دائرية مستمرة ولا نهائية يتحول الأمر من التخطيط إلى متلازمة التخطيط وهي الاعتقاد بأن الخطة المرسومة ليست كافية كما يجب وتتطلب مزيداً من التخطيط والتخطيط والتخطيط ومهما قدمت من مخرجات في دوراتها الأولى فهي لا تحقق الرضا التام وبذلك يبقى الإنجاز حبيس حلقات التخطيط اللانهائية.

متلازمة التخطيط صنعت بسبب الأدوار المعقدة التي تسبق مرحلة التخطيط والتي تتبعها أيضاً وتظهر علاماتها من تخوف فرق التخطيط بأن مراحل التنفيذ قد تظهر بعض العيوب أو النقص وهذه المراحل هي بطبيعتها متشعبة ومعقدة وتتطلب مزيداً من المهارة والمعرفة والخبرة والممارسة والتي قد لا يمتلكها فريق التخطيط أو قد يظن أنه يستطيع تعلمها بشكل سريع وبوقت قصير وأثناء حلقات التخطيط المستمرة تأتي إضافات مختلفة ونوعية أحياناً نظراً لأن الخطط كل مرة تعد وهي تفتقر إلى فهم شمولي للنتيجة الفعلية وتأثيراتها.

متلازمة التخطيط قد تجدها في العديد من المجالات ولن تأخذ وقتاً طويلاً حتى تستكشف وجودها في المنظمات، لها أعراض عديدة ومتنوعة وقد يكون أهمها الترهيب من تجاوز مرحلة التخطيط إلى التنفيذ دون وصول لحالة رضا كاملة عن التخطيط ومثالية عالية تجاهه وتظهر جلياً في مبدأ تحمل المسؤولية عن الأخطاء أن حدث ووقعت أثناء مرحلة التنفيذ.

ثاني أكثر الأعراض شيوعاً عن متلازمة التخطيط هي ضبابية الأهداف وتستطيع التعرف عليها وبشكل مباشر من خلال طرح السؤال الأهم كيف يتحقق الهدف من خلال الخطط؟ هذا السؤال الذي يبدو بسيطاً جداً قد يتسبب بأن تستمر حلقات التخطيط في دوراتها المستمرة لتضمين تعديلات على الخطط وإزالة بعض النقاط ليس لتحقيق الهدف ولكن للإجابة عن هذا السؤال فقط ! لأن الخطط كل مرة لم تكن سوى ما تعلمه فريق التخطيط أثناء دورات التخطيط المتتابعة وما يظنون أنه الأفضل إتباعه فلا منهجية واضحة مع أنها مرحلة تتسم بإبجديات التخطيط !.

ثالث أعراض متلازمة التخطيط والأكثر شيوعاً هي فقدان الإحساس بالواقع، فالمتغيرات التي تحدث نتيجة تفاعلات عديدة من الأحداث والأفكار والتقنيات والمعارف تجد أنها غائبة تماماً ولا وجود فعلي لها في مستندات ووثائق الخطة وفي أحسن الأحوال تذكر على أنها أداة فقط لتحقيق النجاح ولكن مع عدم فهم لتأثيراتها سلباً وإيجاباً مع أنها مرتبطة بالعرض الثاني إلا أنها تختلف عنها أن فرق التخطيط تريد وضع خطة كاملة متكاملة تغطي كافة الجوانب ولكنها تفتقد لبعد النظر في تأثيرات العناصر التي يرغبون بتضمينها ضمن الخطة على بعضها البعض.

أن الخوف من نتائج التنفيذ هو ما يجعل الخطط تعاد مراراً وتكراراً، وهذا الخوف غير مبرر إذا ما أدركنا أن طبيعة مرحلة التنفيذ تتطلب مرونة أعلى في تجاوز العقبات والتحديات والتي ليست بالضرورة أن تكون واضحة ومدروسة مسبقاً كلياً بل يمكن أن تكون طارئة كذلك وغير مسبوقة الحدوث.

أذن ! ما الحل ؟ العديد من المنظمات مصابة فعلياً بمتلازمة التخطيط ولمعالجة أوضاعها يتطلب ذلك عدة أمور أولها التحرر من وهم مثالية الخطة الكاملة التي تغطي وتدرس وتناقش كل شيء والثاني هو تغيير آلية صنع القرار داخل تلك المنظمة والثالث هو التزمين بوضع أزمنة معينة بين كل دورة وأخرى من دورات التخطيط.

البدء في التنفيذ ليس معضلة ولكنه تحدي يجب أن يدار بطريقة مختلفة عن أسلوب التخطيط فلكل مرحلة من مراحل الإنجاز أسلوبه الأمثل فهو يعمل على تحقيق نتائج على أرض الواقع مع استمرار ترميم الخطة أن وجد نقص أو قصور فيها.

تذكرة مغادرة : يقول الروائي تشارلز بوكوفسكي “إذا أردتم معرفة الطريق الأنسب ، اختاروا الطريق المعاكس لاتجاه الجمهور.”

شارك الصفحة مع الأصدقاء :

نُشِّرْت في 

ضمن

للكاتب