حتى تدرك حجم الخلل، يكفي أن تضع سؤالاً بسيطاً لإدارات التخطيط في المدن : ماهي سلسلة القيمة في مدينتك ؟ ستبهرك الإجابات ولكن هل سنحمل الأمر أكثر مما يحتمل دون البحث عن مكامن الخلل وتحييد الأسباب الحقيقية وراء أن العديد من مخططي المدن يجهلون تماماً ما هي سلسلة القيمة للمدينة التي يعملون على تخطيطها ولكن هنالك أسباب أكثر وضوحاً يمكن الحديث عنها.
أولى تلك الأسباب هي النظرة القاصرة للتخطيط والتي حتى وقت قريب كان التخطيط يتجاهل العديد من المجالات مثل التنمية الإجتماعية على سبيل المثال مع أنه يعترف بضرورة أن يقدم خدماته للمجتمع ولكنه يتجاهل التنمية المجتمعية !! وهذا القصور ليس وليد اللحظة بل لأن النظريات التخطيطية في أزمنة سابقة كانت ترى المدن على أنها خريطة خدمات ومرافق ومساكن فقط ومع تطور التشريعات التي سمحت لغير المخططين في إتخاذ القرارات التخطيطية وجد المخطط نفسه معنياً أمام حقيقة أنه لا بد أن يشارك المجتمع المحلي في قراراته ويوجد لنفسه زاوية مختلفة للنظر في المدن ويكفي أن تقرأ اليوم مخرجات المخططات الاقليمية لترى أن الصورة قاصرة جداً في نواح عديدة ولكنها عميقة جداً فيما يستطيع المخطط المشاركة فيه حتى في كثير من الأحيان دون داع لهذا العمق في الدراسة.
وثاني تلك الأسباب الهياكل التنظيمية لإدارات المدن التي أعطت مخططي المدن المسئولية المطلقة تجاه المدينة دون أن تضعهم في الصورة الحقيقية للمدن فعلى سبيل المثال لا تعلم إدارات تخطيط المدن عن قائمة الواردات والصادرات من مدينة ما يعملون على تخطيطها ولا حجم تأثيرهم السلبي والإيجابي على تلك القائمة، وهذا السبب تحديداً ما زال قائماً وبشكل يدعو لإعادة التفكير في المنظومة الإدارية للمدينة ومدى جديتها في فهم المدينة بشكل صحيح .
ثالث تلك الأسباب هو إدارات المدن التي أدركت الخلل وحاولت معالجة الأمر بصورة خاطئة في إبعاد مكون التخطيط كلياً عن الصورة وإسناد الأمر للإقتصاديين الذين لم يكونوا أكثر وعياً من خلفاءهم في إدارة تخطيط المدن للحد الذي اقتصر فيه دور مخططي المدن على إعداد المخططات التنظيمية أو اعتمادها هندسياً.
الجميع يعلم حقيقة أن المدن تبنى وتنمو وتزدهر وتدمر ولكن الإندفاع تجاه بناء مدينة من خلال نظرة واحدة يعني أنها ستنجح فقط في هذا المسار ولكنها ستفشل وتعاني في المسارات الأخرى وليس بالضرورة حتماً أن يظهر هذا الفشل ولكن لهذا الفشل ملامح وآثار تراها واضحة جلية وهذه الآثار مع الزمن سيقرأها كل متخصص من زاويته الضيقة ويحكم عليها من خلال ذات الزاوية.
سلسلة القيمة في المدن هي البوصلة المفقودة والغائب الأكبر عن ذهن إدارات المدن وهي البوابة الكبيرة لتعود المدن الكبرى للتألق وهي ذات البوابة التي ستمكن المدن الصغرى من المنافسة والبقاء تلك البوصلة التي ستشير للإتجاه والتوجه وكما بدأت المقال بسؤال أعلم يقيناً أن إجابته ليست صعبة ولكنه عدم الإدراك واللامبالاة في كثير من الأحيان وإدعاء المعرفة دون إدراك للجهل سأنهي المقال بسؤال آخر ماذا تعرف إدارات المدن عن سلسلة التوريد في المدينة التي يعملون على تخطيطها؟.
تذكرة مغادرة : أن أردت أن تخطط لمدينة ما، يجب أن تسكنك المدينة قبل أن تسكنها.