القيم الإنسانية والأخلاقيات في التراث العمراني

أجد أن هنالك الكثير من الجوانب الحسية والإنسانية في التراث العمراني ما زالت مجهولة وغامضة وأن ورد ذكر بعضها بشكل أو بآخر  في بعض الكتب والأبحاث ولكنها حتى الآن لم تنل الاهتمام الكافي ولم تدرس بشكل وافي ليستخرج منها الفوائد والتي هي بالنهاية نتاج حضارات وأمم سابقة ومفاهيم وعادات وتقاليد مورست في زمن ما , ولعل ما أكتبه يكون محفزا ذات يوم لبحثها واستدراكها وكشف غموضها والاستفادة منها فبإطلالة سريعة على المباني التراثية في المدن القديمة قد لا تتضح الصورة من ذلك فتجد أنها لا تعبر عن نفسها بالشكل الواضح وبذات الصورة التي كانت عليها عند استخدامها ولابد من تدارك أهمية إيضاح مفهوم الاختلاف بين الزمان والمكان والعلاقة بينهما ومدى تأثيرها على التراث العمراني فامتزاج العصرية والتراثية اليوم مع تلك المعاني والقيم يزيدها غموضا وقد تنسى لتندثر مع مرور الزمن فوجود المبنى التراثي بحالته المادية سواء كان محافظا عليه أو مهمل لا يعني استمرار وجودها بالقيم التي كانت معاصرة لها أثناء إنشائها واستخدامها ولإدراك مثل هذه الجوانب الحسية والإنسانية يجب أن يقرن المكان بالزمان وتدرس علاقة الإنسان بالبيئة المحيطة خلال ذلك الاقتران فأحد أهم الأمور التي أحاطت التراث العمراني بالغموض هي مسالة القيم الإنسانية والأخلاقيات والتي يظهر بعضها جليا من خلال التصميمات والقياسات والمعمارية والأبعاد وكذلك تحقق الأهداف الوظيفية للملامح المعمارية ويختفي الكثير منها كذلك لعدم الاستخدام لها في وقتنا الحاضر فالمتعارف عليه أن المباني بحالتها الدائمة هي نتاج تحقيق لاحتياجات إنسانية وبيئية مختلفة تؤثر وتتفاعل مع الإنسان ومع محيطه وقد لا تظهر مثل هذه القيم والأخلاقيات سوى بالاستخدام الدائم وهذا ما يصعب عمليا تحقيقه وإثباته في الحاضر خاصة مع أبقاء المباني التراثية بعد المحافظة عليها وتطويرها وتأهيلها دونما استفادة حقيقية منها أو استخدام لها ومن تلك القيم والاخلاقيات حسن الجوار على سبيل المثال فهو خلق إسلامي أصيل يدعو له الدين الإسلامي نجدهـ كقيمة إنسانية متحققا من خلال دراسة الفراغات الخارجية لمباني التراث العمراني للمدن القديمة وبشكل بارز ويظهر جليا كذلك للمتخصصين في دراسة التصميمات المعمارية والاستخدامات الوظيفية للمباني التراثية وعلاقة الإنسان بمحيطه سواء كان البيئة المحيطة أو المجتمع من حوله .

حقيقة ان مباني التراث العمراني حققت دوما لساكنيها قيما إنسانية وأخلاقيات إسلامية افتقدتها المدن المعاصرة ومنها على سبيل المثال التعاون والرحمة والحياء والقناعة والكرم.

القراءة في التراث العمراني ليست درسا تاريخيا فقط بل هي قراءة واعية لماض فقد لم نستفد منه في تحقيق حاضر نتعايش معه ولا مستقبل نتركه للأجيال من بعدنا .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :