حوكمة المدن

يصل النقاش دائماً مع متخصصي تخطيط وإدارة المدن إلى نتيجة أن هنالك خلل ما في طريقة إدارة المدن وغالباً ما تكون الأمثلة الناجحة هي مدن حديثة نسبياً أسست بأنظمة واضحة وتحت منظومة إدارية واحدة، ولكن السؤال المفاجئ للأصدقاء هل المدن الحديثة نسبياً والتي تحصد الإشادة باستمرار!! هي ناجحة بالنسبة للمدن المحلية الأخرى أم ناجحة بالنسبة للمدن العالمية أم لأنها التجربة المحلية التي يعتقد بنجاحها بشكل مطلق!، أم لأنها لم تتعامل مطلقاً مع نطاق واسع من القضايا الحضرية أصبحت مثال ناجح للمدن، إذا ما افترضنا أننا أمام تحدي اقتراح معيار يتم القياس عليه لهذا النجاح فهل المنظومة الإدارية كافية لتأكيد النجاح أو الفشل أم أن المعيار هي المشاريع الكبرى التي تمت، أم أنها الموارد المالية التي توفرت لها ولم تتوفر لغيرها بنفس المعدل، أو أن المعيار الأهم هو ما القضايا الحضرية التي تتعامل معها ونجحت في معالجتها، وإذا سلمنا بالنجاح فعلياً لما كان من الصعب نقل التجربة الناجحة إذا ما كانت ناجحة فعلياً!

ما تحتاجه المدن ليس إدارة موحدة لعملياتها بل الحاجة الأهم هي ضمانة عدم التداخل بين اختصاصات ومسئوليات الجهات والمنظمات والذي تحدث غالباً بسبب غياب “حوكمة المدن” أو ضبابية الجهات تجاه مسئولياتها وواجباتها وفقدان بوصلة أولوياتها أو أنها قد تكون مسئوليات كانت مسندة لجهات وانتقلت مسئولياتها وأسندت لجهات أخرى أو بسبب عدم الرغبة في وجود حوكمة من الأساس، ولكن قبل أن أذهب بعيداً في تأكيد أهمية حوكمة المدن، لنضع تساؤلا مشروعاً لما لا يكون الوضع الحالي هو الأفضل للمدن فعلياً ولا نحتاج للمزيد من التفكير في هذا الجانب؟ فالاندفاع نحو تطبيق مفهوم حوكمة المدن قد لا يتسم بالنجاح ولا يكفي أننا معجبون بالتطبيق أو بنتائجه في مدن أخرى حول العالم فالتحديات دوماً مختلفة ويحددها معايير يقع جزء منها في خارج دائرة إدارة المدن من الأساس، والسبيل الصحيح في كل ذلك هو التروي في عملية تطبيق حوكمة المدن وتحديد إلى أي مستوى من التطبيق يتم وخلال مدة زمنية واضحة والحاجة لذلك أن تطبيق الحوكمة دفعة واحدة يتطلب وجود تشريعات وتنظيمات داعمة وهي ليست موجودة من الأساس وهذه التشريعات لابد لها من العبور ضمن سلسلة من الإجراءات الطويلة اللازمة لتكون عملية تطبيق حوكمة المدن إيجابية قدر الإمكان، السؤال الهام هل لدينا تجربة ناجحة لحوكمة المدن نستطيع الاسترشاد فيها للتطبيق والتطوير ولعلنا نستبعد المدن التي أنشئت لأغراض محددة سواء اقتصادية أو استثمارية ولنتجه نحو المدن الحقيقية التي تجد فيها كافة القضايا الحضرية من مواقع لمباني ومناطق تاريخية يرجى المحافظة عليها واستثمارها ومواقع ذات تنمية خاصة لأهداف اقتصادية أو صناعية وأخرى ذات قضايا اجتماعية وإنسانية بحتة وكيفية بناء نموذج لحوكمة أعمالها وأنشطتها وأهدافها لإدارة تحدياتها على كافة الأصعدة ويكون خاصاً بها.

تذكرة مغادرة: يقول الكاتب الياباني هاروكي موراكامي “بعيداً عن جميع التفاصيل الواقعية، هناك الأحلام، والكل يعيش فيها”.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :

نُشِّرْت في 

ضمن

للكاتب