نفق التقنية

الحقيقة أنني لست متفائلاً كثيراً ببعض ما تنتجه لنا تطبيقات الحكومة الإلكترونية حالياً فكل ما يحدث أساساً هو أننا نقلنا البيروقراطية الورقية إلى أخرى ولكن بشكل الكتروني فمستوى التعقيد والذي كان هدفاً رئيسياً للإنتقال نحو التعامل الإلكتروني ما زال موجوداً بشكل أو بآخر وذلك دلالة على أن الرغبة ما زالت غير أكيدة نحو الإنتقال الفعلي نحو التعامل الالكتروني فالمسار الذي تسير نحوه بعض من القطاعات الحكومية متتبعة توجهات إداراتها التقنية لن ينتج سوى أنظمة الكترونية غير فاعلة تحتاج هي بنفسها مستقبلاً إلى أنظمة أخرى لتطوير أدائها, فليست الفكرة هي رفض فكرة التحول من التعامل الورقي الى التعامل الالكتروني ولكن لدعم هذا التحول بشكل واقعي يجب أن يتوافق معه تعديل الأنظمة والسياسات والتشريعات القانونية فلا يكفي أن نحول النموذج الورقي إلى آخر إلكتروني ونتوقف فما لم يكن هنالك فكر واضح يدعم ذلك التحول ويجعل منه فرصة لتحقيق الأفضل من خلال التطبيق الالكتروني فالأفضل الإبقاء على مستوى التعقيد الحالي في الأنظمة الورقية.

إضافة الى ذلك التعقيد الذي تصنعه بعض المنظمات من خلال تحويل التعامل الورقي المعقد إلى تعامل الكتروني معقد تضع بعض الإدارات التقنية نفسها في مقام الآمر الناهي والمتحكم في تلك البيانات والمعلومات فتبدأ أولاً في عملية الاستحواذ على قيادة ذلك التحول الالكتروني وتستمر على ذلك النهج حتى تصبح المتحكم النهائي للنظام الإلكتروني للجهة بشكل كامل مستخدمة قدرتها في منح الصلاحيات الإلكترونية وإدارة البيانات في ذلك, وبدلاً من أن تكون جزءاً داعماً لمهام عمل المنظمات تصبح جزءاً متسلطاً داخل المنظمة تخوض مع جميع أجزاءه الأخرى في المنظمة حرب صلاحيات ولهذا تحتاج دوماً الإدارات العليا في تلك المنظمات إلى إدراك ذلك وتحجيم تلك الرغبة في الاستحواذ مبكراً ومحاولة وضعه ضمن أطار محدد لصلاحيات ونفوذ القائمين على مهام وبرامج التحول الالكتروني حتى لا تكون تلك المنظمة قائمة على خيارات بسيطة جداً تتحكم بها من خلال المخاوف من الاختراق أو تزويد الآخرين ضمن المنظمة بالصلاحيات على اعتبار أن الإدارات التقنية وحدها هي المؤتمنة على كل معلومة وما سواها لا يملك نفس الدرجة من المهنية في المحافظة على المعلومات والبيانات الخاصة وحتى وأن حدث ذلك فهذا يجب معالجته أخذه في الاعتبار من خلال دراسة عامل الأمان للأنظمة الالكترونية ودراسة الاحتياجات المنطقية للمنظمة بشكل فعلي ووضع الخيارات المناسبة لمعالجتها.

نفق التقنية هو أحد الأخطاء الهامة والجوهرية في عملية التحول للخدمة الالكترونية في المنظمات والتي للأسف تغرق فيه الكثير من الجهات, حيث يصعب عليها مستقبلاً حل ومعالجة ذلك الوضع فتصبح التطبيقات غير كاملة بالشكل الصحيح لأنها لم تدرس التحول من جوانب مختلفة حتى تكون أكثر مرونة وقابلية للتطوير مستقبلاً وذلك لأنها قامت بذلك على أساس أنها جزء أساسي ضمن المنظمة لا جزء داعم لمهام عمل المنظمة يدير التحول نحو التقنية ويكتفي بالمتابعة والتطوير حسب الحاجة.

تذكرة مغادرة : يقول دان براون : “ لا يمكن لمح الحقيقة إلا عبر عيون الموت ”.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :