تراث البيئات الفقيرة

يعتبر تراث البيئات الفقيرة أحد أبرز المعالم التراثية التي تركتها لنا الأمم والاجيال السابقة وتتمثل في الجزء الاعظم من التراث الحضاري للإنسانية حيث لم تكن الامم السابقة في مجملها غنية بالموارد الطبيعية من شتى بقاع الأرض بل كانت ضمن نطاقات جغرافية محدودة وهذا ما أفاد كثيرا في سبيل استخلاص فوائد المواد الطبيعية والموارد المحلية والاستفادة القصوى منها بشتى مناحي الحياة ومنها العمران بالطبع وأكاد اجزم ان جزء كبيرا من التراث الحضاري يكمن في كيفية الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية ضمن احتياجات البيئات الفقيرة له.

وحتى لا نخلط في فهم جملة البيئات الفقيرة فليس المقصود فيها الفقر المادي “النقدي” بل الفقر الطبيعي من موارد ومواد محلية أولية وفقر تكنولوجي متقدم كما في صورته الحالية المتوفرة لنا فهي مرادفة طبيعية لكلمة العمارة العامية والتي عبرت بشكل عام عن استخلاص الفوائد القصوى من الموارد الطبيعية المحيطة بها من أشجار ونباتات وأحجار وأنهار وشواطئ ومواد أولية مختلفة وتفاعل الانسان معها وتطورت في استخداماتها لتلبي احتياجات المجتمع وتطورت مرة أخرى لتكون أكثر فاعلية وكفاءة واتقان وتدخل العنصر الجمالي اليها وتوصل لنا هذه البيئات الفقيرة مع الزمن تراثا اجتماعيا وفلكلوريا وتراثا معماريا يعبر عن قدرة الانسان الحقيقية في الاستفادة مما حوله من موارد طبيعية ومن تجارب غنية في تكرار المحاولات والاستفادة من الأخطاء وتصحيحها والمحاولة والتكرار والتحسين المستمر لهذه التجارب فتراجعنا اليوم وتعثرنا في أكثر الامور التي استطاعت الأمم السابقة النجاح فيها في ضوء الامكانيات المتوفرة لنا اليوم مع تلك التي كانت متوفرة في تلك العصور ينبئ اننا ابتعدنا كثيرا عن مسار التطور الطبيعي لمجتمعاتنا وعن التحسين المستمر لها وكذلك عن الاستفادة من مواردنا الطبيعية المحيطة بنا ولا أكثر من ذلك فشل محض فالأولى بنا المسارعة في الاعتراف به لقيادة مسار التصحيح وتدارك مثل هذا الاعتراف مبكرا يعجل في عملية التصحيح لمسار التطور ويجعل منا مجتمعا يصنع حضارة ويتركها لمن بعده فما يقدمه لنا العالم اليوم من مفاهيم جديدة عن العمران تحديدا هو بالأصل حضارات وصلت إليها البشرية من قبل ولكن أعيد تعريفها لنا بمسميات وعناوين أخرى لتسويقها علينا .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :

نُشِّرْت في 

ضمن

للكاتب