العمارة العفوية ,, عمارة الحاجة

أن المطلع على المدن والقرى القديمة أو قد سبق له زيارة بعضها حول العالم والسير وسطها والحركة بين شوارعها وممراتها لابد وأن يلحظ أن عفوية البناء بها كانت هي التوجه الرئيس في العمارة في ذلك الوقت , فعمارة المدن والقرى القديمة بعفويتها كانت الطاغية بها ولم يبالغ بالبناء فيها سوى ببعض المباني الرئيسة والتي أنشئت بأسلوب مختلف عن سواها قصداً في اعتبارات وارتباطات مختلفة وكذلك تأثيرات إنسانية مباشرة مثل العوامل الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية وخلافها من العوامل التي ترتبط بثقافة الإنسان ومفهومه وكذلك سعة إطلاع المجتمع من حوله ويعبر عن عفوية البناء  في المدن والقرى القديمة ويماثلها هو الحاجة إلى البناء فلم تكن المباني السكنية الخاصة بعامة المجتمع سوى ذلك الحد الأدنى الذي يلبي احتياجات الأسر  ويراعي أفرادها من ذكور وإناث وأطفال وكبار سن وكذلك اهتمت العمارة العفوية بمسائل أخرى كالخصوصية والآمان واحترام المجاورين والتعاون فيما بينهم وتعامل معها المجتمع المحلي بصورة تأكيدية لها فتجسدت تلك العمارة العفوية وتطورت وتشكلت من عمق مجتمع مترابط يراعى به مصالح الجميع فالغني والفقير سواء يشاركون بعضهم البعض الأفراح والأحزان .

تلك العمارة العفوية كانت نتاج عوامل مختلفة وتأثيرات بعضها قد لا يكون واضحاً في معالم تأثيره ولابد من التعمق في معرفتها لبيان حقيقة تأثيرها إلا أن الأبرز في التأثير على العمارة العفوية والذي استشهد به هو القدرة على السكن بالنسبة لعامة المجتمع والتي كانت ومن خلال أدوات العمارة العفوية ممكنة وتحتاج إلى تعاون و تضافر الجهود من المجتمع المحيط سواء الرجال أو النساء والذي تمثل بعدة خطوات منها على سبيل المثال نقل المواد الأولية كالأخشاب والصخور من مناطق بعيدة والمساهمة في تطويعها من أجل البناء والتشييد أو الأعمال التي اشتهرت بها النساء كصناعة بعض الأدوات المنزلية كالسلال وخلافها من السعف .

العمارة العفوية ليست مباني وممرات بل هي حكاية وقصة مجتمع تطور ووصلت له حضارة غربية غريبة عنه أفسدت مباهجه وشتت ترابطه الاجتماعي وأخرجت مجتمعه لواقع آخر بخلاف ما أعتاد عليه ففقد تواصله وترابطه الاجتماعي ولكن الجميل أن العودة للمسار الصحيح لتطور العمارة العفوية ليس صعبا ولا مستحيلاً ولكنه يحتاج إلى صبر ووقت طويل ورؤية صحيحة لها فتغيير حقيقة مفهوم العمارة العفوية ووسمها بـكلمة “العشوائيات” ككتل بنائية وإلصاق شتى السلبيات بها مع ما وصلها من تعديلات تعاملت معها كأنها أراض خام بمسمى تطور !! أن كل ذلك جزء من الفهم الخاطئ للعمارة العفوية ولابد أن يستدرك ذلك الخطأ مبكراً فلم يسبق حسب علمي أن درس نموذجا للتطور المستقبلي للعمارة العفوية فكيف يرفض جملة وتفصيلا .

حقيقة أن العمارة العفوية كنموذج لحل إسكاني متطور  من الحلول الإسكانية المتعددة والتي ما زالت قريبة منا ومتشابهة في ظروفها من ظروفنا أمر لابد من الاعتراف به والتعامل معه بالطريقة الصحيحة فلا يجب رفض شيء فقط لأننا لم نستوعب أبعاده.

شارك الصفحة مع الأصدقاء :