تحسين أعمال المدن

تحسين أعمال المدن

تعد أحد أسباب نشأة المدن ونموها هي الأعمال والأنشطة المتنوعة التي يعمل بها ساكني تلك المدن وكلما زاد تنوع تلك الأعمال كلما أدى ذلك لإيجاد نشاطات ثانوية للنشاطات الأساسية للمدن ومنها خدمات البنية التحتية والخدمات والمرافق والتي من المعلوم أنها مجالات يصعب تخصيصها لعدم الجدوى الاقتصادية ولهذا نجد أن الوضع مشابه حتماً للعديد من المدن حول العالم، كبح جموح الأعمال والأنشطة داخل المدن بسبب قصور تقديم الخدمات.

الحديث عن مناطق تحسين الأعمال يتطلب إدراكاً للتحديات التي تواجه تطبيق الفكرة خاصة في المنظومات البيروقراطية وما هو مهم لقطاع ليس بذات الأهمية لقطاع آخر وقياساً على ذلك ستبقى أي فكرة قيد التأمل لسنوات طويلة والمتضرر هو الأسوء حظاً وهو سلة قطاع الأعمال في أي مدينة والذي يعول عليه في إيجاد فرص للعمل متجددة وقطاعات جاذبة وحديثة ولكي نضع النقاط على الحروف كما يقال فالحوكمة في منظومة الأعمال هي الفجوة الأكثر وضوحاً وهي الفجوة التي تعمل كافة القطاعات على ردمها ولكن الشق أكبر من الرقعة !!، فما زال إقرار الإجراءات التحسينية يتبع القطاعات وما زالت أنشطة الأعمال الجديدة تأتي دوماً لاحقاً وما زالت مواكبة التطورات تمر بتحديات مستمرة ومتصاعدة والسؤال الذي لن تجد له إجابة متى يجب تحسين هذه الخدمة أو تلك أو تحسين هذا القطاع أو ذاك القطاع سوى أن التحسين يحدث في أي قطاع سيكون عبارة عن ردة فعل وليس فعل.

مناطق تحسين الأعمال في المدن ليست فكرة حديثة ولكن لتطبيقها للمرة الأولى في أي مدينة يتطلب تحسين العديد من الإجراءات وتطوير عدد من الأنظمة وهكذا دواليك في عملية التطوير التي تستمر من حل عقدة لعقدة وكلما زادت سرعة حل العقد كلما زادت عملية التطور ومواكبة العالم بشكل صحيح وفعلي وبشكل ملموس وأكبر عقدة تواجه التحسين هي عقدة المعرفة فأسوأ مصائب الجهل أن يجهل الجاهل أنه جاهل.

تذكرة مغادرة : يقول فريدريك فون شيلر (لماذا يجب أن أكون فرشاة وألوان وبيدي أن أكون أنا الفنان؟)

نصوص عمرانية !

نصوص عمرانية !

للعمران ثقافته وكلماته ونصوصه التي تنتشر بين المتخصصين ومن ثم تنتشر تالياً بين غير المتخصصين بسبب الإعجاب بها واعتقادهم بأنه أدراك المصطلحات يعني إدراك العمران بكافة مستوياته وهنالك تبدأ مصيبة المصطلحات والنصوص العمرانية ومصيبة المصطلحات في المجالات الأخرى عموماً يكمن في إعادة استخدام العبارات والكلمات لأشياء ليس لها علاقة مباشرة أو قد تكون ذات علاقة ولكن ليس بالمفهوم المستخدمة به، فخلال الفترات الماضية قرأت عن مصطلحات مثل جودة الحياة، البيئة العمرانية، الاستدامة البيئية وغيرها الكثير من منظور أشخاص غير متخصصين والنتيجة التي وصلت لها بأن الأمر أصبح إنشاء وتصفيف عبارات.

هذه النصوص الإنشائية لم تصبح بين يوم وليلة بهذا الصورة الباهتة بل كانت البداية الفعلية لها في شرائح العرض للمشاريع العمرانية والتي لها عذرها في تقريب المفهوم المتخصص من العامة فمصطلح مثل المشهد الحضري والذي أصبح جزء من تقارير إعلامية عديدة ويمكنك التأكد من أن المصطلح غارق في العبارات الإنشائية من خلال سؤال أي عدد تريد من الأشخاص فكلا منهم سيقدم لك مزيج من الكلمات التي لن تخرج عن محيط العبارة التالية (الارتقاء بالبيئة العمرانية من مباني وطرق وساحات وحدائق وممرات مشاة !)، فهذه العبارة ليست صحيحة كلياً وليست خاطئة أبداً بل الخطأ هنا هو اعتقاد أن المشهد الحضري هو النتيجة النهائية فقط ويبدأ العمل على تحسين تلك النتيجة النهائية من خلال دهانات لونية مرة وأخرى من خلال توحيد التعددية البصرية لقالب موحد.

في الحقيقة أن الذي يبدو عليه الأمر الفترة الحالية هو أن القدرة الإنشائية للنصوص العمرانية هو أكثر ما نجحت به بعض الجهات وذلك بالنظر إلى جهودها وأعمالها على أرض الواقع، فلا ممرات المشاة التي يتحدثون عنها هي ممرات مشاة ولا جودة الحياة التي يدعون تحسنها في تلك الأحياء قد تتحسن من خلال لمسة جمالية واحدة على واقع مهدد للحياة كلياً أحياناً، وهذا ليس ما يؤلم حقاً بل الفاجعة فعلياً بالنسبة لي على الأقل هو اعتقاد أن التوحيد اللوني أو الشكلي هو جزء من التحسين الذي تنتظره المدن، والمنطق يقول بأن القدرة على بناء عبارة إنشائية ونص عمراني تطرب له الأذان ليست أبداً في مستوى القدرة على بناء بنية تحتية للأرصفة والممرات المتصلة، أو بنية تحتية للطرق أو للساحات والأماكن العامة أو غيرها من العناصر العمرانية ولا أعلم عن المجالات الأخرى ولكنني لا أثق كثيراً بالنصوص والمصطلحات التي تختفي نتائجها عن الواقع وتحضر بشدة في المنشورات الإعلامية  ثم بعد سنوات نكتشف خدعة النصوص العمرانية لنا وواقع العمران الذي ينتظر منا الكثير والكثير لحظتها.

تذكرة مغادرة يقول الكاتب توماس كارليل: أعظم الأخطاء هو أن يكون المرء غير مدرك للأخطاء التي يرتكبها.

العلم والعمارة في تقنية البناء

العلم والعمارة في تقنية البناء

التفكير في تصميم معماري يحقق المعادلة بين الوظيفة والجمال أمر ليس سهلاً فالعديد من التصاميم المعمارية يغلب عليها أما الجانب الوظيفي أو الجانب الجمالي وتوجه البعض من المعماريين لتفضيل جانب على آخر بشكل مستمر واليوم ومع توفر العديد من تقنيات البناء أصبح لزاماً الاعتناء بالجانب الجمالي بشكل أفضل مما كان عليه سابقاً ولكن هل هذا هو التحدي الوحيد في هذا الأمر؟ بالتأكيد ليس كذلك.

التفكير في تصميم معماري على سبيل المثال لوحدة سكنية جاهزة تكون مسبقة الصنع يرفع من مستوى التحدي على المعماري في أهمية توفير سبل مختلفة لتحقيق العنصر الجمالي خاصة وأن المتطلبات السكنية متعددة بحسب الحاجة وكذلك العديد من مواد البناء المستخدمة في هذه التقنيات تبدو جامدة للوهلة الأولى إلا من ذوي رؤية معمارية مميزة من الذين يملكون القدرة إلى تحويل كل جامد أمامهم إلى لوحة مليئة بالجمال والإحساس من خلال الاستفادة من العناصر المعمارية وقدرة على تطويع مواد البناء نحو تلبية حاجة المصمم.

لغة العمارة كانت وما زالت متجددة ولكنها فقدت بريقها في بناء المساكن في مرحلة ما، أما عند النظر من زاوية الوظيفة أو من زاوية أخرى مثل التكلفة، ويلزم للمعماري المميز التعمق أكثر نحو تحقيق أفق جديد في تعزيز المعرفة والابتكار في تحقيق عنصر الكفاءة التصميمية والجمع بين الوظيفة والجمال من خلال تصاميم أكثر قابلية لتكون مصنعة عبر خطوط أنتاج، وهذا يدعونا للتفكير جدياً في ان تتبنى كليات العمارة والهندسة المعمارية إنشاء وحدات ابتكارية موجهه نحو مواد البناء ومفهوم وآليات تصنيع البناء وأن توجه الجامعات مراكزها البحثية نحو استشراف مستقبل البناء لتسهم بدورها في تلبية الطلب المتزايد نحو المساكن مع إيجاد حوافز نحو تأسيس شركات ناشئة تعمل على تحويل أفكار طلبة كليات العمارة والهندسة المعمارية في هذا الجانب الى منتجات منافسة تحقق لها تقدماً وريادة عالمية وتحقق لمعماري المستقبل فرصة عمل ومشاركة وهم على مقاعد الدراسة ولكي توجههم نحو المستقبل وآفاقه .

تذكرة مغادرة: يقول الروائي الفرنسي إميل زولا “أنا أؤمن أنّ مستقبل الانسانيّة يكمن في تقدّم العقلانيّة عن طريق العلم”.

آفاق معمارية غائبة في مجال التشييد والبناء

آفاق معمارية غائبة في مجال التشييد والبناء

من المتفق عليه أن تقنيات البناء الحديثة تسهم في رفع مستوى الجودة وتقليص التكاليف وسرعة الإنجاز مع أقل نسبة من الأخطاء البشرية. ولكن الهاجس الذي يصاحب مالكي المساكن المنشأة بطريقة مختلفة عمَّا اعتادوه، هو التجربة الحديثة لهم، ومدى ارتياحهم مع هذه التقنيات، وما الصعوبات التي من الممكن أن تواجههم، ومدى تحقق الجمالية والوظيفية للمباني على حد سواء، خاصة إذا ما علمنا أن التجارب الأولى للمباني التي تستخدم تقنيات البناء، كانت تتعامل مع العنصر الجمالي في تصاميم المساكن بطريقة هامشية على نحو غريب،

وأيضًا اتسمت المباني الأولية لتقنيات البناء بضعف المرونة نحو قابلية التحسين والتطوير والتوسعات المستقبلية. ولكن اليوم، ومع تطور تقنيات البناء، وتعدد أنواعها واستخدام أكثر من تقنية إنشائية في آنٍ معًا، ولتحسين الانطباع العام عن تقنيات البناء لدى العامة؛ أصبح لزامًا أن يتدخل المعماري والمصمم لرفع مستوى التصميم للوحدات البنائية، ويسهم في معالجة الأخطاء السابقة التي دفعت لعدم الاستفادة من تقنيات البناء خلال كل تلك السنوات.
يعتبر المعماري الغائب الأكثر حاجة في مجال تقنيات البناء،

وهو الذي لو تعرَّف عن قرب على تقنيات البناء وأنواعها وأبرز تحدياتها المعمارية، مع الخلفية المهنية الكافية والإبداع المعماري اللازم؛ لأصبح قادرًا على تشكيل الحلول المعمارية وإيجادها لتلبية متطلبات العصر من سرعة البناء مع المحافظة على عنصري الجمال والوظيفة. وليس هذا الدور كبيرًا على المعماري، فهذه القدرات تكمن في التحدي الدائم الذي يواجه المعماري، وهو التعامل مع المواد والفراغ كما يجب.

عند مراجعة ما أنجز من خلال تقنيات البناء محليًّا، أجد أن المعماري السعودي ما زال بعيدًا عن الاهتمام بهذه التقنيات وما تحقق فيها من تطور في مجال التشييد والبناء وعلى نحو مثير للغرابة، خاصة أن هذا الدور لا يتطلب الكثير منه سوى المزيد من التعمق والقراءة والمعرفة في مجال تقنيات البناء،

وبالوقوف فعليًّا على قدرات هذه التقنيات وإمكانياتها والمعدات والأجهزة المستخدمة فيها من خلال النظر بعين المتخصص إلى كيفية تحسينها من زاوية معمارية. هذه الزاوية والاهتمام لا تتطلب جهدًا خارقًا، خاصة إذا ما علمنا بأن إحدى مبادرات برامج «رؤية المملكة 2030» تُعنى بتفعيل استخدام تقنيات البناء في مجال التشييد والبناء، وهي «مبادرة تحفيز تقنية البناء»، والأولى بالمعماري السعي نحو الاستفادة من الفرص المتاحة وفتح آفاق رحبة له لتلبية الحاجة الماسة نحو عنصري الجمالية والوظيفية في المباني التي تستخدم تقنيات البناء.

تذكرة مغادرة: المشكلة ما هي إلا فرصة سانحة لك لتبذل قصارى جهدك.

يتعب المرء من كل شيء إلا العلم
جميع الحقوق محفوظة لصالح مدونة أيمن الشيخ