أصعب القيود هي القيود التي يضعها الانسان على نفسه فهو معها يبقى أسير فكرة أو فكر الأخرين الذين قرروا نيابة عنه وعن الجميع وأكثر الما هو تبني البعض تلك الفكرة دون مراجعة خاصة تلك الافكار التي ترتبط وتتلامس وتتقاطع مع حاضر ومستقبل الجميع والامثلة في ذلك في شتى المجالات واضحة جلية.
أن أكبر عائق يواجه تخطيط المدن هو القيد الذي وضع على حدودها والنطاق الذي وجهت به المدينة في اتجاه تطويرها وسبب وجود هذا النطاق هو عدم قدرة الجهات الفنية والادارية على مواكبة تمدد المدينة ولذلك كان ذلك التحديد حتى تستطيع تلك الجهات بناء خططها بناء على ذلك ولكن هل ذلك العامل الذي بني عليه إيجاد نطاق عمراني قد تحقق وما هي النسبة المحققة منه وهل بالإمكان تحقيقه بطرق مختلفة عوضاً عن ذلك النطاق وماهي انعكاساته السلبية على المدن وعلى ساكنيها ,, كل تلك الاسئلة بقدر انها واقعية لتحديد ملامح هل كان ذلك النطاق ايجابيا ام سلبيا ولماذا؟.
أن التفكير في النطاق العمراني للمدن يجب أن يتجاوز فرضية التمسك به الى دراسة حالته ووضع ايجابياته وسلبياته وايضاحها وما الذي ساهم به وجوده وهل من الافضل تعديله الآن أم تركه حتى العام الذي ينتهي فيه لدراسة تأثيراته وما مدى الخطورة التي ستتشكل داخل المدن جراء إبقاءه دون تغيير فكل قرار يتخذ في حق المدن يجب أن نراجعه دوماً وأن لا نركن إلى أن قرار صالح في حق المدن عوضا على أن الكثير من تلك القرارات التي اتخذت بحق المدن وتم التمسك بها كثيرا لم تعد صالحة اليوم بل والجميع يطالب بتعديلها ولكن هنالك ما يعوق دوما تغيير قرارات أصبح وجودها واقعاً.
تنمية المدن وأولويات التنمية أمر استراتيجي ولكنه حتما ينفذ عبر برامج ومشاريع واضحة لا عبر نطاق يحد من تطور مدينة لضعف في القدرة على التجاوب مع ذلك التمدد وعدم القدرة على إيجاد مخارج أخرى تحقق نفس الهدف الاستراتيجي.
تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف ألبرت شفايتزر : ” نعيش في عالم خطير فالإنسان حكم الطبيعة قبل أن يتعلم كيف يحكم نفسه “.
يتبادر إلى الذهن دوماً تساؤلات مهمة وخفية عن المدن وأحد أهم تلك التساؤلات المحيرة فعلياً والتي لا يحق لي الإجابة عنها بتسرع هي كم عدد اللغات التي يتحدث بها البشر في مدينة ما حول العالم وما هي اللغة الأصلية لكل مدينة وما هي اللغات التي اندثرت منها وما الذي بقي وما اللغة المشتركة العامة بين جميع البشر في هذا العالم المتسارع ودوماً ما أبحث عن حقيقة ما هي لغة أي مدينة فعلياً وما اللغات التي تجيدها المدن؟؟, تساؤلاتي دوماً ما تقف عند حقيقة أن بعض المدن لغتها تقتصر على لغة واحدة فقط أو لغتين وأحياناً لا تخرج عن نطاق لهجة واحدة فهل من الطبيعي أن نطلق لقب مدينة على مكان لا يتحدث ساكنيه سوى بلغة واحدة؟ نحن نعلم أن المدن بطبيعتها هي مكان التقاء واجتماع البشر باختلاف ثقافاتهم وأفكارهم وبيئاتهم وأهدافهم ولكن ما انعكاس ذلك على المدن.
لقد قرأت يوماً أن مدينة لندن يتحدث ساكنيها وزوارها بحدود ثلاثمائة لغة مختلفة فهل تكون لندن هي المدينة الأولى التي تحقق ذلك وهل هنالك غيرها من المدن التي يتحدث ساكنيها بعدد كبير من اللغات وهل كلما ازدادت المدينة قربا من البشر ووجدوا فيها ما يفتقدونه من مدنهم في مدينة حققت لهم جزء من احتياجهم الإنساني وحنينهم إلى مدنهم استمروا بالبقاء بها أكثر والتعايش فيها بسلام وطمأنينة.
المدن العالمية بالنسبة لي ليست تلك المدن التي يكون عدد سكانها مهولاً ولا تلك المدن التي تؤثر بالاقتصاد والسياسة بل تلك المدن المتعددة الأطياف والثقافات من خلال ساكنيها وهوياتهم وملامحهم وأفكارهم وأهدافهم ولغاتهم والأهم ثقافتهم والتي هي العنصر الأهم في المدن العالمية فلا يصح أن تبقى المدن في نطاق ضيق ومحدد بنوع واحد من البشر وبطيف واحد دون بقية الأطياف وبطريقة واحدة من المعيشة والتفكير والعمل والأهداف بل يجب أن تكون منفتحة حاضنة لكل الثقافات المختلفة واللغات البشرية المتعددة تحترم كل لغة وتقدر متحدثيها وتوفر لهم فرصة المشاركة بالبناء والاستمتاع بالمدينة دون أن يكون هنالك قيود من أي نوع وخاصة قيد اللغة الذي يجبر الكثيرين دوماً على ضعف المشاركة لعدم القدرة على التواصل البشري الطبيعي من خلال التحدث .
تذكرة مغادرة : يقول إميل سيوران :“ لا يسكن المرء بلاداً، بل يسكن لغة. ذلك هو الوطن ولا شيء غيره ” .
السؤال المتداول هذه الفترة على طاولة الخبراء هل غرقت المدن أم أغرقت؟ وللإجابة على هذا السؤال بشكل واقعي لابد من إدراك ومعرفة لما يجري في المدن قبيل أن تغرق أساساً وبعد أن تغرق بزمن طويل أما عند غرق المدن لن نجد سوى تقاذف للمسئوليات بين الجهات المختلفة والتساؤل المزعج للمسئولين دوماً ما هي الجهة التي ستتحمل ويلات غرق المدينة هذه المرة؟.
أن واقع طريقة إدارة المدن قبل أن تغرق المدن هو المؤشر الصادق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في معرفة ما حدث فعلاً عند غرق المدن ومدى صدق ما تدعيه الجهات المسئولة عبر بياناتها وتصريحات مسئوليها, كما أن حصر الأخطاء وتحميلها لجهة بعينها وتبرئة الجهات الأخرى أثناء الغرق هو دلالة واضحة أننا لم نتعلم من الدروس المستفادة شيء أبداً وما زلنا نبحث عن النجاح المؤقت الشخصي لبعض المسئولين على حساب المدن ونبتعد كثيراً عن إيجاد منظومة المدينة الناجحة والأدهى من ذلك هو أننا نجد من يحث على الاستمرار في تحقيق النجاحات المؤقتة المرتبطة بالأشخاص لا المنظمات فبينما تستمر المدن في الغرق تستمر الجهات بقذف الكرات الملتهبة بينها عل هنالك من يتقبلها ويصمت لتستمر المأساة في المدن ويستمر غرقها كل عام بسبب مختلف ويغيب عنا أننا لم نستفد أو نتعلم من أولى الدروس المستفادة في أولى الكوارث التي حدثت وهو أن نفكر جدياً في إيجاد رؤية جديدة لطريقة إدارة المدن لا تعترف سوى بالواقع المرتبط بالمنجزات على أرض الواقع وتأخذ قوتها من قدرتها على تنفيذ ما يحتاجه ساكني المدينة ضمن أولويات معلنة للجميع ومرتبطة بجميع القطاعات كإستراتيجية شاملة للمدينة يعمل عليها جميع مسئولي المدينة في وضوح تام وشفافية لا أن تركن كل جهة وتتقوقع داخل منظومتها طيلة الفترة قبل غرق المدينة وعند غرق المدينة تبدأ كلا منها في صياغة الخطابات شديدة اللهجة تارة وخطابات تحميل المسئولية تارة أخرى للجهات المختلفة في تلاسن فج لا يعكس القدرة ولا الإمكانيات التي تمتلكها تلك الجهات ولا الخبرة المتراكمة التي لدى القائمين عليها.
أن الواجب يحتم على مسئولي القطاعات داخل المدينة أن يدركوا أن بقائهم جميعاً في مراكزهم الوظيفية مرتبط بنجاحهم جميعاً وبهذا سيتغير التفكير من محاولة التنافس من أجل الإيقاع بالآخرين إلى التكامل من أجل المدينة والسكان وتحقيق النجاح والتنمية المكانية ولكن ما يبدو عليه الحال أننا بعيدون جداً عن التعلم من الدروس الماضية وأبعد من ذلك تحقيق أي نجاح على أرض الواقع وجل نجاحاتنا هي بعض من قصاصات الصحف والمقالات المطنطنة دون واقع حقيقي.
تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف كارل ماركس ” الضرورة عمياء حتى تدرك وعيها , والحرية هي وعي الضرورة ” .
تواجه الجهات والمنظمات المختلفة سواء من القطاع الحكومي أو الخاص معضلة هامة جدا وهي فهم المستخدم النهائي لمنتجاتهم وخدماتهم وما هي قدرة تلك المنظمات على تحديد احتياجاته بشكل دقيق خاصة تلك الجهات التي تقدم خدمات أو منتجات مباشرة للمستخدمين وتواجه كذلك معضلة أخرى في طريقة العمل الداخلية على تحقيق تلك الاحتياجات والحصول على رضا المستخدم النهائي, فمن المتعارف عليه أن الخدمات والمنتجات المقدمة للعامة تتطور بحسب مجالين تقدم التقنيات الخاصة بها أو تلبية حاجة المستخدمين ولا تحتسب رغبة مقدم الخدمة في التطور أنها عملية تطويرية بل عملية تحديث وفي حالات محددة جداً ومنها تلك الخدمات التي لم يألفها المستخدم أساساً كالتقنيات الحديثة أو جيل جديد من خدمة لم تكن موجودة من الأصل إلا أن عمليات تطوير الخدمات والمنتجات قد لا يؤخذ في الاعتبار رأي المستخدم النهائي عنها أو قد يؤخذ ولكن لا يتم الاعتناء به بشكل صحيح.
أن الغائب الأكبر في عملية تطوير الخدمات والمنتجات هو المستخدم النهائي والذي يجب أن يكون حاضراً ضمن عمليات التطوير والتحديث المختلفة سواء للخدمات أو المنتجات ومن أجل ذلك يجب على مقدمي الخدمات ومصنعي المنتجات تيسير الأمور وتسهيل الظروف والإمكانيات لإتاحة الفرصة للمستخدمين نحو تحديد الخيارات الأفضل بالنسبة للخدمات والمنتجات وكذلك ضرورة استيعاب مستخدمي الخدمة لنطاق الخدمة المحددة ونطاق الجهة والقطاع والمجالات المختلفة التي من الممكن تقديم الخدمة من خلالها ومن ذلك كله يبدو أن العديد من الجهات تؤمن بأن وجود المستخدم النهائي سيفرض على القطاعات التزامات لا يحتاج إليها حقيقة ولكنهم في الحقيقة يتجاهلون أن عدم وجود رأيه وغياب دوره في التطور مع دخول منافسين آخرين يلتزمون بتفعيل ذلك سيجعل من هؤلاء المستخدمين راغبين أكثر بالرحيل عن تلك الخدمة أو المنتج.
كما أن عدم رؤية المستخدم النهائي بصفته جزء من الحل والتطور للخدمات والمنتجات سيربك عمليات التطوير ويجعل من عدم التطور مشكلة المستخدم الأساسية ليكون التساؤل دوماً عن أسباب عدم تطور الخدمات والمنتجات في مقابل ما يتحمله المستخدم لقاء الحصول عليها سواء من جهد أو مقابل مادي والأسوأ من ذلك إدعاء بعض القطاعات استمرارية التطور في منظومة الخدمات والمنتجات مع عدم ملامستها لاحتياجات المستخدم النهائي فيكون تطورها في نطاق لا يحتاج إليه المستخدم أساساً وذلك مما يدعو للتعجب حقيقة تجاه المسئولين والقياديين في تلك القطاعات وهوية من يقرر احتياجات المستخدمين ويعمل لأجل تحقيقها داخل تلك القطاعات والمنظمات وماهية خبراته وكيف له أن يعمل على أولويات المستخدمين لخدمات قطاعه إذ هو لم يستطع تحديد احتياجات المستخدمين لخدماته عبر الاستماع لهم واحترام آرائهم.
رأي المستخدم النهائي أكثر أهمية من بقية الآراء الأخرى سواء تجاه الخدمات أو الحلول الممكنة فهو يعبر عن احتياجاته بشكل صريح ويتعامل مع الخدمة بشكل واقعي أكثر من العديد من الآراء البعيدة خاصة تلك الآراء التي تتعامل مع الخدمة بشكل إشرافي والتي يكون جل عنايتها استمرار الخدمة لا استمرار تطورها ومهمة الجهات التي تبحث عن نجاح خدماتها ومنتجاتها هو البحث عن المستخدم النهائي المتفاعل والذكي فهو محور اهتمام وتركيز العديد من الجهات التي تقدم خدماتها في العالم فالبحث عنه والتعامل مع احتياجاته المختلفة ينتج عنها منتجات وخدمات أكثر قدرة على تلبية احتياجات المستخدمين جميعاً وأعلى كفاءة في فهم المتطلبات المختلفة لتكون النتيجة النهائية هي رضا المستخدم النهائي وتحقيق أقصى درجات الجودة للخدمة.
تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف جون ستيوارت ميل : “ لا يمكننا أبداً التأكد من أن الرأي الذي نحاول كبته رأيٌ خاطئ، وحتى لو كنا متأكدين فكبته سيظل إثماً ” .