الفهم العميق للمدن!

الفهم العميق للمدن!

دون أدنى شك! أن الفهم العميق للمدينة يعني القدرة على فهم التحديات والفرص الخاصة بها وهذه القدرة تعطي الإمكانية لإدارة المدينة بشكل يوازي التطلعات تجاهها وهذا كل ما تتطلبه إدارات المدن للدفع نحو تحقيق استراتيجيات النمو والتنمية في مختلف القطاعات، ولفترة من الزمن كانت التنمية تسبق التخطيط وفي بعض المدن توقف التخطيط تماماً عن دوره وبدء فقط يحاول معالجة أخطاء النمو التي لا مجال لتفاديها سوى بأن يوضع مسار التخطيط المستقبلي على نفس المستوى من الاهتمام والأولوية مع مسار معالجة أخطاء النمو.

هذا الفهم العميق للمدن لا يقرأ سوى في القرارات والتشريعات التي تصدر لتوجه التنمية من خلال تفعيل التخطيط المستقبلي للمدينة ولقطاعاتها المختلفة وهذه القرارات والتشريعات لا تعني أن التحدي أنجز بقدر أن التحدي أصبح معلوماً ومتداركاً وهنالك خطة لتحويله من كونه قضية إلى كونه فرصة.

أي من المدن اليوم حول العالم نجد أن لديها قضايا تنموية مختلفة وتحديات في قطاعات متعددة ولكن من النادر جداً بأن تمتلك مسار واضح لتحويل القضايا التنموية إلى فرص تنموية والبعض منها يحيد عن معالجة القضايا الرئيسية لمعالجة الأعراض الجانبية لتلك القضايا دون اكتراث بحقيقة أن المدن التي لا تعالج أخطاءها أولاً بأول تغرق شيئاً فشيئاً.

الفهم العميق للمدن له أدوات مختلفة ولكن قبل كل تلك الأدوات تبقى معرفة المدن من العمق المعرفة التي تبنى من خلال المعلومات والبيانات والأرقام هي الأكثر وضوحاً متى ما كانت تلك المعلومات صحيحة وواقعية وبنيت على أساس أننا نريد فهم واقع المدينة لا أحلامنا عنها.

تذكرة مغادرة : الحكمة تقول : “سهل أن يصدق الإنسان كذبة سمعها ألف مرة، من أن يصدق حقيقة لم يسمعها من قبل”.

العودة إلى الأمام !

العودة إلى الأمام !

تأملاً في عنوان المدونة قد يفتح لنا أبوابا واسعة نحو ما نعتقد أننا سنصل إليه، ولن أطيل التأمل فالعودة إلى الأمام ليست خطة منطقية ولكن إذا ما علمنا أن الماضي يحمل في جعبته ما لم يحمله الحاضر ولأننا نريد من المستقبل أن يعيد للحاضر توهجه.

ما هو الماضي الذي نسعى لعودته ؟ غالباً التطور المتلاحق في أنظمة البناء لم يسمح بنقل المعرفة الصحيحة كما هي من المباني القديمة والتاريخية إلى المباني الحديثة سواء وظيفياً أو جمالياَ ولذلك عندما نبحث عن المفقود في المباني التاريخية فقد لا نكتشف الكثير أو قد نعتقد أننا سنكتشف الكثير عبر التحليل ولكن بما أنه من الصعوبة المعايشة في هذا المبنى أو ذلك فكل ما نعرفه هو محض تحليل أو توقع.

العودة إلى الأمام ! هي إعتقاد ضمني أن ماضي البناء أكثر فاعلية وكفاءة من الحاضر وهذا الإعتقاد ليس على المطلق بطبيعة الحال فهنالك نجاحات هامة في البناء وفي مواد البناء ولكن الرغبة للعودة إلى الماضي ليست صدفة أبداً بل أصبحت حاجة خاصة إذا ما أدركنا أن المدن في الحاضر افتقدت إلى الهوية العمرانية والمعمارية الخاصة بها والذي أثر في فقدها بعض مواد البناء الحديثة خاصة المرتبطة بأعمال التشطيبات الخارجية أو الداخلية وحتى مواد البناء الحديثة التي أعدت لتكون بديلة عن بعض العناصر المعمارية التراثية لم تحقق المأمول منها فقد أوجدت شكلاً ولم توجد مضموناً ذو قيمة وأهمية.

فهم الماضي والحاضر من أجل المستقبل هي المعضلة التي يجب أن نتعامل معها بحذر خاصة إذا ما كانت قرارات الحاضر ستؤثر في مستقبل المدن.

تذكرة مغادرة : يقول الكاتب أندريه جايد “أن يكرهك الناس على ما فيك، أفضل من أن يحبوك على ما ليس فيك” .

المصفوفة الحضرية..!

رؤية : الأبنية الخضراء مفهوم وتطبيق

يعتمد نجاح القرار على أمرين المعلومات المتوفرة، و العقل الذي يصنع القرار وفي هذه التدوينة سأركز على الجزء الأول وهو المعلومات المتوفرة من أجل إتخاذ القرار وتحديداً القرارات المرتبطة بالعمران وتحديداً عنوان التدوينة “المصفوفة الحضرية” فما هي ؟

تشكل المصفوفة الحضرية تجربة في ربط العناصر الحضرية المختلفة في سياق واحد يكون واضح ولنا القدرة على التأثير بالنتائج من خلال أدوات مختلفة حيث تشتمل عناصر المصفوفة الحضرية على مستويات تأثير متباينة بحسب العنصر الموجود تحت الدراسة فتغيير العنصر المدروس يغير النتائج والتقييمات الخاصة بها والتي تسهم في تقديم تصور شامل لأي منطقة حضرية بحيث تصنع مساراً ذو أولويات تنموية للمكان.

النظرة العامة سابقاً تؤكد أن المدن والمحافظات والمراكز والقرى ليس لهم نفس الأهمية، ولكنها اليوم ومن خلال رؤية المملكة باتت الأهمية حسب الميز النسبية للمكان بحيث أصبح المكان والميز النسبية له هو نقطة الإنطلاق ولم يعد حجم النطاق الحضري ذو تأثير كبير والشواهد عديدة في تأكيد ذلك فالمدن الكبرى والقرى الصغيرة على حد سواء في القضايا التنموية أصبحت النظرة تجاهها في تحليل المستوى الحضري والموارد والإمكانيات والفرص والتهديدات.

هذه النظرة العادلة تجاه المكان أصبح لزاماً أن يرافقها عمل جاد في عملية تنظيم البيانات والمعلومات من خلال المصفوفة الحضرية والمؤشرات من أجل القدرة على إتخاذ القرار الصحيح والسليم، هذه المصفوفة التي لا تضع الوضع الراهن فقط بل تضيف عامل التجارب المماثلة في الحسبان لتبني من خلال التجارب المماثلة الدروس المستفادة .

ومن أمثلة ما يحدث سابقا حينما تعاملت إدارات المدن مع المواقع الغير قابلة للتنمية على أنها عوائق تترك دون المساس بها ولكن من خلال النظرة العادلة وبناء المصفوفة الحضرية تعرض هذه المواقع على مكوناتها ومواردها وعناصرها من أجل تنميتها بشكل أكثر أتزانا والتعلم من المماثل.

وفي رؤية اتسمت بالنظرة العادلة تجاه الموارد المكانية أصبح من الطبيعي أن ترى مشاريع كبرى في نطاقات جغرافية معينة وباستخدامات محددة كانت إلى زمن قريب من الصعوبة أن ترى اكتمالا للمرافق وخدمات البنية الأساسية قبل قرنين أو أكثر ولكنها اليوم تسابق الزمن من أجل ذلك.

المصفوفة الحضرية تتعامل مع البيانات والمعلومات تجاه المكان بحيادية تامة وأنصفت العديد من المواقع بأن أصبحت ضمن مستهدفات التطوير الشامل فالتعامل مع البيانات والمعلومات العمرانية بأشكال متنوعة أتت في مستويات معيارية مثل (مثالي، يلبي الاحتياج، قصور جزئي، قصور كلي) سواء للخدمات أو المرافق أو البنية التحتية أو حتى العناصر والموارد الإجتماعية لم يعد النظر فقط يقتصر على الدور الحكومي في التنمية بل أصبح هذا العمل محركاً للقطاعات الأخرى في مناطق لم تعتد على ذلك ومن تلك القطاعات القطاع الاستثماري على سبيل المثال ولم تقف عند عتبة القطاع الخاص بل إتجهت للمحور المجتمعي ليكون ضمن المستهدفات من خلال مصفوفة حضرية للدور المجتمعي في الفضاء الحضري من خلال تحديد الأدوار وتفعيلها حيث تضع رابطاً قوياً ومؤثراً بين المجتمع والثقافة وتستخدم من أجل الفضاء الحضري العام.

المصفوفة الحضرية تبني رصيداً من المعرفة المكانية لكل موقع بحسب موارده سيكون مستقبلاً هو المحرك الاقتصادي الفاعل في هذه المناطق، هذا الرصيد سيخفف العبء الحالي من تكاليف الدراسات والتقييمات ليترجم كل معلومة ومؤشر نحو التوجه الفعلي للمكان وما العمل التالي دون إعادة تفكير لسنوات فيما يجب أن نفعل لاحقاً وهذا العمل مستقبلاً نتيجته الفعلية والوحيدة هو بناء حضارة تبقى لقرون من الزمن شاهداً على نجاح المرحلة الحالية ومؤكداً أن العقول التي تدير القرارات أسهمت بشكل اختصر القرون لسنوات.

تذكرة مغادرة : من كانت همته بناء الحضارة أرتصت لأجله حتى الحجارة.

التنمية المحلية الإقتصادية

يقيناً بأن الفهم الخاطئ لكثير من المصطلحات يؤدي بالنتيجة الحتمية إلى الفشل، ومن تلك المصطلحات ما أخترت الكتابة عنه في هذه المدونة “التنمية المحلية الاقتصادية” وسأحاول عرض المفهوم بشكل بسيط جداً سعياً في تدارك ما يمكن تداركه.

تتجه المدن عالميا لإيجاد نواة تشاركية بين القطاعات الثلاث (العام، الخاص ،الغير ربحي) من أجل تحقيق النجاح من خلال تعزيز القدرات الاقتصادية لمنطقة محلية من أجل تحسين مستقبلها الاقتصادي ومستوى المعيشة وغاية كافة الخطط الاستراتيجية لعملية بناء التنمية المحلية الاقتصادية هي تحقيق نمو اقتصادي مبني على قدرات وموارد محلية لتسهم في زيادة فرص العمل وتوسع نطاق الخدمات.
وتحليل هذا التوجه يعني معرفة تامة بالموارد المحلية في المكونات الطبيعية والموارد المجتمعية لتظهر لنا الميز النسبية وعند هذه النقطة يجب أن نتوقف كثيراً فما هي الموارد التي يمكن من خلالها توسيع سلسلة القيمة لأي منتج أو خدمة .
غالباً ما يحدث عند هذه النقطة الكثير من العاطفة والقليل من العقلانية لسبب أننا نرى من زاوية مجتمعية ولذلك يجب التوقف وتحليل سلاسل القيمة القائمة وإدراك أي من كل سلاسل القيمة يملك فرصة أقوى للبقاء والاستمرار والنمو وبعد تحديد الميزة النسبية وسلسلة القيمة القائمة نضع في الاعتبار المهارات المجتمعية المحلية القادرة على تعزيز سلسلة القيمة وتأكيدها .
كل تلك المدخلات هي بطبيعة الحال الخطة الاستراتيجية الفاعلة والمبنية على واقعية الظروف والتحديات لا الرغبات والطموحات، فالمبدأ الأساسي لتنفيذ الخطة الاستراتيجية هو العنصر المجتمعي وتحديداً التكامل الاقتصادي بين المكونات المحلية وتوحيد الرؤى والأهداف المجتمعية والمؤسسية نحو دعم سلسلة القيمة للميزة النسبية المختارة بتنظيم الجهود المشتتة وليس دعما شاملاً لكافة الأنشطة والميز النسبية المختلفة.
الخدمة أو المنتج الذي نعزز لسلسلة القيمة الخاصة به يلزمنا بدء فتح آفاق جديدة ضمن سلسلة القيمة بتوسيعها لتقديم خدمات ومنتجات ثانوية تعزز المنتج أو الخدمة الأساسية من خلال تبني القطاع العام في إطلاق التشريعات الداعمة وتبني القطاع الخاص في تعزيز الفرص الاستثمارية في ذات سلسلة القيمة وتفعيل دور القطاع الغير ربحي في تنظيم الجهود المجتمعية في المشروعات متناهية الصغر والصغيرة لتتكامل الأدوار ولقيادة التغيير من داخل المجتمع نفسه.
هذه الجهود أثمرت في أن يعمل فقط 3% من مجموع القوى العاملة في هولندا في القطاع الزراعي ومع ذلك تعتبر هولندا ثاني أكبر مصدر زراعي على مستوى العالم وأسهمت في مدينة هوشي منج فيتنام بأن ارتكزت التنمية المحلية الاقتصادية على عدة برامج ومنها تحسين التوثيق وتبادل المعلومات بين كافة الأطراف مما أسهم في سلسلة قيمة تمتلك قدرة معرفية عالية.
تذكرة مغادرة : يقول السياسي ويليام أستور “إنعدام الرغبة أمام الشيء الذي أدمنته يعد انتصاراً”

 

 

يتعب المرء من كل شيء إلا العلم
جميع الحقوق محفوظة لصالح مدونة أيمن الشيخ