غالباً ما يسعى الإنسان ليمتلك هدفاً أو عدة أهداف خلال حياته المهنية أو الشخصية والنجاح في تحقيق الهدف يكمن في خطة التنفيذ ومعرفة متطلبات تحقيق تلك الأهداف وكذلك هي المدن فهي تنشئ لهدف معين إما اجتماعي أو اقتصادي أو صناعي أو سياحي ولكن تكمن مشكلة المدن أن التفكير فيها له غايات متداخلة فمن يمتلك وضع هدف للمدن ومدى تداخل أهداف المدن مع أهداف ساكنيها بشكل يصعب الفصل بينها وليست الغاية هي فصل الأهداف بقدر مدى تلبية المدن لأهداف ساكنيها أو مدى ترك إدارة المدينة موضوع الأهداف جانباً والسعي في تلبية الاحتياجات الضرورية من الخدمات والمرافق العامة والتي كان جزء منها هو غياب هدف المدينة او غياب آليات تنفيذه.
يحق للمدن التي تمتلك هدفاً واضحاً أن تحترم ولكن يبقى على إدارتها مسألة كيفية تحقق تلك الأهداف من خلال الخطط الإستراتيجية والمشاريع النوعية والمبادرات ذات البعد الشمولي فالتناغم ضروري بين وضع الهدف وآليات تنفيذه وحتى ندرك مدى معرفتنا بالمدن التي نسكنها لنعيد طرح الأسئلة البدائية من جديد ما هو هدف المدينة؟ ومن هم سكانها؟ والإجابات المتعمقة ستكون كافية لمعرفة أين يكمن الخلل في المدن ومن أين يبدأ الحل لهذه المعضلة التي تؤرق إدارات المدن وساكنيها.
تبقى تلك الأسئلة البدائية تعود للمدينة بشكل مستمر ودائم فمعرفة التغير في ساكني المدن يعني تغيراً غير مباشر في هدف المدينة وحتى ندرك فعلياً ما نواجه لنضع إحدى المدن في دائرة الضوء ولتكن مدينة س ولنجيب على الأسئلة البدائية ما هو هدف مدينة س؟ ومن هم سكانها؟ ولنرى على خارطة التوافق مدى اتفاق أهداف سكان مدينة س مع أهداف المدينة نفسها فإذا ما أدركنا أن إحدى الإجابتين غائبة أو غير واضحة بشكل ما فذلك يعني أنها مدينة بلا هدف علي على أرض الواقع ولكنها قد تمتلك قائمة أهداف ضمن وثائق ومستندات ورقية طبعت على ورق فاخر دون آلية تنفيذ فعلية.
تذكرة مغادرة: يقول جورج برنارد شو “الناس الذين يدّعون أن بعض الأهداف مستحيلة التحقيق، يجب أن لا يتدخلوا في محاولات غيرهم لتحقيقها”.
تبقى هذه المسئوليات غير واضحة المعالم حتى الآن وستتطلب من إدارات المدن مراجعتها خلال السنوات القليلة القادمة، وحتى نتعرف على هذه المسئوليات يجب أن ندرك أن المدن تتعامل مع متغيرات دائمة ومستمرة ولهذا يجب على إدارتها فهم المدينة ومكوناتها وعناصرها الأساسية ومواردها كذلك وذلك من أجل تحمل مسئوليتها أمام ملفات هامة مثل المشاركة المجتمعية، البطالة، المحتوى المحلي، النقل، الخدمات، المرافق، البنية التحتية وغيرها مع قراءة مدى قدرة المدن على تحقيق نجاحات فعلية في هذه الملفات.
أن استمرار إدارات المدن في الغياب عن فهم هذا الواقع سيجعلها تواجه التحديات المستقبلية مرغمة على حلول ليست هي الأفضل بالتأكيد ولكنها ستكون حلولاً عاجلة وقاسية أحياناً، أما إذا ما بدأت المدن في إدراك واقعها الفعلي بعيداً عن تكرار رسم الصورة الوردية للمستقبل فأنها ستحقق ما سيجعل هذه المدن أمام رؤية مستقبلية تستطيع فيها إدارات المدن تغيير معادلات التنمية وتدفعها نحو قراءة إمكانياتها المختلفة والحث على الاستفادة منها واستثمارها بالشكل الأمثل.
تذكرة مغادرة : يقول الأديب يوسف السباعي (حمداً لله علـى أوهامنا، إنّها تمنحنا بقية أمل، وبقية عزاء).
عدد لا بأس به من المشاريع العمرانية حول العالم أنجزت بكامل مراحلها على أرض الواقع ولكنها واجهت مشاكل جمة أثناء التشغيل وكل إدارة مشروع منها تحاول قدر الإمكان تدارك ما يمكن تداركه مع عدم الاقتناع بالأمر الواقع !! لأنه بات أمراً محرجاً بالتأكيد.
تنشئ المشاريع العمرانية لاستخدامات معينة وأهداف محددة وبحسب دراسات عمرانية وهذا الواقع لن يتغير أثناء فترة تنفيذ المشروع ولكن مع إنتهاء آخر مرحلة من مراحل البناء والتشييد تتفأجئ إدارات تلك المشاريع بأنه عملية التشغيل تكاد تكون مستحيلة بحسب واقع المشروع في تلك اللحظة مما يعني مزيداً من التحسين والتطوير الذي يلطف الواقع ولن يغير فيه الكثير.
هذا الواقع الذي يحدث للعديد من المشروعات العمرانية لم يبدأ فعلياً مع إنتهاء المشروع بل بدأ عند أول خطوة في التفكير بالمشروع وأهدافه فالعديد من المشاريع تفشل لأن أهدافها غير واقعية أو تقليد لفكرة من هنا أو هناك ولكنه الأصرار على تخيل مستقبل غير صحيح للمشروع مع تجاهل الآراء والعديد من العوائق وتأجيل التفكير في كل ملاحظة حتى مرحلة الدراسات الفعلية والذي يحدث في هذه المرحلة هو عنصر مؤثر في واقع فشل المشاريع العمرانية المنجزة عندما تحاول الجهات المسئولة عن الدراسات قراءة الرغبات لدى فريق الإدارة لا قراءة الواقع والاحتياج وبعدها يصبح الأمر أن فريق الدراسة يعيد إقناع أصحاب القرار بما هم مقتنعون به من خلال نماذج وأرقام وألوان ومجسمات دون العمل على دراسات فعلية من أرض الواقع أو العمل على توثيق المعلومات المعتمد عليها والتي تتم بشكل لا ينم عن احترافية والسبب الأضافي الذي أجده مؤثراً في فشل المشاريع العمرانية المنجزة هو أن عملية إنجاز تشييد وبناء المشروع العمراني بحد ذاتها هي المعتبرة بالإنجاز أما مرحلة التشغيل التالية لم تكن جزء من النجاح.
تذكرة مغادرة : يقول ويليام كليفورد “لو تجاهل الإنسان كل سؤال يُخالف اعتقاده، وامتنع عن قراءة الكُتب التي تُخالف أفكاره وما يؤمن به ، فإن حياته ستكون خطيئة ضد البشرية”.
تساءلت سابقاً في مواقع التواصل الإجتماعي ومنها تويتر عن مفهوم المجتمع والمتخصصين لعبارة توأمة المدن والحقيقة أنني قمت قبل ذلك بمراجعة الموجود على صفحات مواقع الإنترنت من تعاريف لهذه العبارة ولذا كنت أركز على الذين يقدمون تعريفا خاص بهم ومختلف عن الآخرين.
المدن من طبيعتها أنها تتغير بإستمرار وطبيعة هذا التغير تفرض أن لا تتمسك المدن بالكثير من العناصر المتغيرة عنها ولذا سنجد أن التوأمة بين مدينتين على ضوء التعريف الحالي لها لا يعدو كونه مجاملة لطيفة دون أن تحقق لكلا المدينتين أي تقدم أو هدف إيجابي سوى الظهور الإعلامي البسيط لإعلان هذه التوأمة.
طبيعة القالب الذي نجسده في أفكارنا عند كلمة التوأمة تضعنا ضمن نطاق محصور جداً لما يمكن أن يحدث لو أعدنا طريقة التفكير دون التأثر بالمعلومات المسبقة أو التجارب السابقة للمدن أو التعاريف الموجودة ويدعمنا في هذا التوجه أن المدن ومن خلال التقنيات الحديثة التي تقدم في سبيل تطوير وتحسين جودة الحياة فيها تجعل من المدن تكراراً مشوهاً بل وأصبحت متشابهة جداً إلى حد الطريقة التي ترى بها المدينة, إضافة إلى مركزية الجهات المشرفة على تخطيط وتنمية المدن وأخطاءها في التعامل مع المدن بمركزية وبقوالب تخطيطية محددة سلفاً في كل شيء فأن كل هذه الأسباب تدعونا للبحث عن مدينتنا التوأم الآخرى وما الذي يمكن أن يحقق نجاحاً مشتركاً يتجاوز كونه صورة وخبر إعلامي.
حتى نتعرف على مدينتنا التوأم أو التي من المؤمل أن تكون توأما علينا أن نبحث عن النجاحات التي حققتها تلك المدن في مواضيع مختلفة عن طبيعة مدينتنا لا أن نبحث عن مدن تشابهنا في كل شيء ثم نسعى لإيجاد العوامل المشتركة الكثيرة ونفقد السيطرة من زيادة التفاصيل مع عدم اهميتها.
أكثر الانتقادات التي تحصل عليها المدن إلى جوار ضعف وعدم كفاية الخدمات هو في طريقة إدارة المدن وهو أحد المواضيع المهمة والمرتبطة بالإنسان بشكل أساسي فلما لا تكون لكل مدينة لدينا توأم ينقل تجارب الآخرين في إدارة مدنهم والإستفادة منهم وتحسين تجربتنا في إدارة المدن ولما لا يكون هنالك توأمة للمدن ذات الكثافات السكانية العالية لنتعرف أكثر على أسلوب تقديم الخدمات للكثافات السكانية العالية وهنالك أيضا فرصة لتوأمة المدن الصغيرة والمتوسطة لدينا بأن نستقطب عمالة متخصصة من المدينة التوأم لقاء إستقطابهم لكفاءات في مجالات نافعة لهم ويواجهون فيها ما يؤرقهم, توأمة المدن يجب أن تتطور لتكوين شراكات نجاح وإستثمار وتبادل منافع وإعفاءات على مستويات متعددة وإسهام في التنمية البشرية لكلا المدينتين لا أن تبقى كما هي ونعترف ان جل ما نستطيع في هذا المجال بأن نسمي أحد طرق مدينتنا بأسم المدينة الأخرى.
تذكرة مغادرة : يقول ستيف جوبز “تقع العديد من الأخطاء أثناء محاولة إحداث التجديد. من الأفضل الاعتراف بالخطأ والبحث عن مجالات أخرى للنشاط”.