الفن في الأماكن العامة

الفن في الأماكن العامة

تعتبر الأماكن العامة هي المجال المشترك بين سكان وزوار أي مدينة وأي كانت أهدافهم للعمل أو للتجارة أو للسياحة ولذلك يجب أن تعبر المدينة عن ثقافتها وفنونها من خلال تفعيل الإستفادة من المواقع المناسبة في الساحات العامة، ندرك من خلال تجربتنا حينما يكون هنالك منظر مناسب أو إطلالة جميلة تدعو الجميع للمشاركة في رفع كاميرا التصوير الخاصة بهم والتقاط صورة للذكرى وهكذا تستمر تلك المواقع والأعمال في بناء ذاكرة للمكان.

العديد من المدن عملت سابقاً على بناء متحف المدينة الخارجي وكان لها شأنها وأوجدت ذاكرة للمكان حولها حتى تم تسمية المناطق المحيطة بتلك الأعمال الفنية بأسمها ولكنها خسرت كل ذلك في لحظة إتخاذ القرار حول موقع العمل الفني وأفضل ما تحقق لبعض المدن هو إزاحة تلك الأعمال لموقع مجاور أحياناً من أجل تحسين الحركة المرورية وأخرى لعدم القدرة على صيانة تلك الأعمال نظراً لعدم التخصيصية أو لعدم قدرة إدارة المدينة على توفير تكلفة الصيانة المستمرة لتلك الأعمال الفنية الرائعة.

الفن في الأماكن العامة ليس وضع عمل فني في مكان ما والإحتفاء به لفترة من الزمن ومن ثم إهماله، الفن في الأماكن العامة هو منظومة من الأعمال والأنشطة والتي تبدأ من إدارة المدينة في تحديد المواقع المناسبة بعيداً عن الطرق المستهدف توسعتها مستقبلاً أو المواقع التي ستصبح جزء من مشاريع مستقبلية ومن ثم على إدارة المدينة بناء المحفظة المالية لتمويل المشاريع الفنية سواء لإنشاءها أو لصيانتها فلا شيء يترك للصدفة ومن ثم تحديد الرسالة التي تود المدينة إرسالها للزوار والسكان والسياح بناء على استراتيجية تعد من أجل ذلك.

بعد تحديد العوامل السابقة يلزم إدارة المدينة العمل مع المجتمع المحلي لبناء المجتمع الفني في المدينة والذي سيعنى بماهية العمل الفني ورسالته والمواد المستخدمة في تنفيذه وهذا المجتمع الفني يلزمه معرفة التحديات والمتطلبات للأعمال الفنية والرسائل التي قد تصل بشكل غير مقصود للعامة ومكون المجتمع الفني من الخبرات المختلفة والمتنوعة يؤدي كلا منها دوره من خلال المعارف والخبرات المتراكمة في ذات المجال ويتحمل جزء من مسئوليته أمام المدينة ويكون هو الجسر الذي يصل بين إدارة المدينة وبين المجتمعات المتخصصة.

كما أنه من المؤكد أن كل شيء يتطور ولا يبقى على حاله فأن المدن تتجدد وتتطور وتستمر ولا تبقى في حالة من الجمود وينطبق ذلك على الأعمال الفنية التي لا تواكب الرسالة والهوية ولا تعبر عن الثقافة ستجد مكانها في الفناء وفي أحسن حال لها في متحف تاريخ المدينة ولهذا فأن العمل الفني المميز سيجد مكانه دوماً في رحلة تطور المدينة ومستقبلها.

أن التجربة تؤكد بأن مشكلة بعض المدن هو أسلوب عملها وطريقة تعاملها مع الفن ولذلك يجب أن تدرك إدارات تلك المدن أن الفن رحلة وليست مرحلة.

تذكرة مغادرة : تقول الروائية سوزان سونتاج ” الفن هو الشرط النهائي لكل شيء ” .

 

العودة إلى الأمام !

العودة إلى الأمام !

تأملاً في عنوان المدونة قد يفتح لنا أبوابا واسعة نحو ما نعتقد أننا سنصل إليه، ولن أطيل التأمل فالعودة إلى الأمام ليست خطة منطقية ولكن إذا ما علمنا أن الماضي يحمل في جعبته ما لم يحمله الحاضر ولأننا نريد من المستقبل أن يعيد للحاضر توهجه.

ما هو الماضي الذي نسعى لعودته ؟ غالباً التطور المتلاحق في أنظمة البناء لم يسمح بنقل المعرفة الصحيحة كما هي من المباني القديمة والتاريخية إلى المباني الحديثة سواء وظيفياً أو جمالياَ ولذلك عندما نبحث عن المفقود في المباني التاريخية فقد لا نكتشف الكثير أو قد نعتقد أننا سنكتشف الكثير عبر التحليل ولكن بما أنه من الصعوبة المعايشة في هذا المبنى أو ذلك فكل ما نعرفه هو محض تحليل أو توقع.

العودة إلى الأمام ! هي إعتقاد ضمني أن ماضي البناء أكثر فاعلية وكفاءة من الحاضر وهذا الإعتقاد ليس على المطلق بطبيعة الحال فهنالك نجاحات هامة في البناء وفي مواد البناء ولكن الرغبة للعودة إلى الماضي ليست صدفة أبداً بل أصبحت حاجة خاصة إذا ما أدركنا أن المدن في الحاضر افتقدت إلى الهوية العمرانية والمعمارية الخاصة بها والذي أثر في فقدها بعض مواد البناء الحديثة خاصة المرتبطة بأعمال التشطيبات الخارجية أو الداخلية وحتى مواد البناء الحديثة التي أعدت لتكون بديلة عن بعض العناصر المعمارية التراثية لم تحقق المأمول منها فقد أوجدت شكلاً ولم توجد مضموناً ذو قيمة وأهمية.

فهم الماضي والحاضر من أجل المستقبل هي المعضلة التي يجب أن نتعامل معها بحذر خاصة إذا ما كانت قرارات الحاضر ستؤثر في مستقبل المدن.

تذكرة مغادرة : يقول الكاتب أندريه جايد “أن يكرهك الناس على ما فيك، أفضل من أن يحبوك على ما ليس فيك” .

الفقر الحضري !

الفقر الحضري !

التحدي الذي يواجه المجتمعات الحضرية هو دور المجتمع في سلسلة القيمة التنموية حيث يعتبر الفقر الحضري أحد نتائج التطور التكنولوجي واختصاراً هو استبعاد الأيدي العاملة وتعويضها بالتقنيات الأسرع والأكثر جودة وإنتاجاً وعند هذه النقطة يلزم أن تتبنى إدارات المدن سياسات تحد من رفع سقف الإنتاج وتلزم الشركات والمصانع بوضع المهارات اليدوية ضمن خطوط الإنتاج الصناعية وتضمين دور أساسي في كل منتج.

غالبية الخطط والبرامج والمبادرات التي تدعم المنتجات المحلية أو اليدوية لم تضع في الاعتبار خيار تضمين المنتج المحلي ضمن المنتج الصناعي كأحد أهم الخيارات التي يجب الالتزام به وإصدار التشريعات والتنظيمات الخاصة به وتحديثها بشكل دائم ولذلك هي تعمل- ومنذ سنوات في محاربة الفقر الحضري الذي يتفاقم كل يوم والعمل الذي يتم لا يغطي كافة الثغرات.

الاندفاع نحو تعليم المجتمع المهارات الجديدة لا يعني أن المجتمع سينجو من الفقر الحضري وسيتجاوز كلياً عدم الوقوع فيه بل يجب أن ندرك أن الفقر الحضري هو جزء من منظومة التنمية الاجتماعية ولتقليص هذا الجزء يلزم أن نعزز الاقتصاد المحلي من خلال دعم المجتمعات باستغلال الخبرات التراكمية في سلاسل القيمة الحديثة لأي منتج صناعي.

التقنيات الحديثة لم تقتل مستويات معينة من الوظائف فقط ولكنها وضعت تحديات جديدة للاستمرار مثل المهارات والإبداع وهذا الأمر عجيب فهي من ناحية تتطلب مهارات جديدة وإبداع وفي نفس الوقت لا توفر الوقت ولا الإمكانيات لتعلم المهارة والإبداع فيها وكأنما هي دائرة تنحرف للداخل وتستمر في الانغلاق على المجتمعات مخلفة وراها الفقر الحضري.

الفقر الحضري يرتبط كلياً بعدد من العناصر الهامة ولكن حجم استغلال الموارد الطبيعية هو أحد الأسباب الجوهرية الهامة لأنه في ذات الوقت لا يعطي الفرصة المتوازنة مع الموارد الطبيعية الأخرى فالقاعدة هنا هي (سهل الحصول عليه – بسيط التعامل معه) هي القاعدة الأكثر تسبباً بالضرر ويجب حينها تفعيل الأداة التشريعية لضبطها والقاعدة الأكثر بعداً هي ( صعب الحصول عليه – معقد التعامل معه ) وهي المسار الصناعي لمستويات معينة من الإنتاج والمنتجات وبالتأكيد فأن بقية أشكال القاعدة لها تشريعات منفصلة يجب تداركها ولكن استمرار القاعدة الأولى (سهل الحصول عليه – بسيط التعامل معه ) يعني أن العديد من المنتجات المحلية ستفقد ويعوض عنها بالاستيراد ولن يتحقق حتى مستوى الاكتفاء الذاتي من الموارد المحلية والطبيعية.

تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف ألبرت شفايتزر (نعيش في عالم خطير فالإنسان حكم الطبيعة قبل أن يتعلم كيف يحكم نفسه) .

مدن بلا هدف

مدن بلا هدف

غالباً ما يسعى الإنسان ليمتلك هدفاً أو عدة أهداف خلال حياته المهنية أو الشخصية والنجاح في تحقيق الهدف يكمن في خطة التنفيذ ومعرفة متطلبات تحقيق تلك الأهداف وكذلك هي المدن فهي تنشئ لهدف معين إما اجتماعي أو اقتصادي أو صناعي أو سياحي ولكن تكمن مشكلة المدن أن التفكير فيها له غايات متداخلة فمن يمتلك وضع هدف للمدن ومدى تداخل أهداف المدن مع أهداف ساكنيها بشكل يصعب الفصل بينها وليست الغاية هي فصل الأهداف بقدر مدى تلبية المدن لأهداف ساكنيها أو مدى ترك إدارة المدينة موضوع الأهداف جانباً والسعي في تلبية الاحتياجات الضرورية من الخدمات والمرافق العامة والتي كان جزء منها هو غياب هدف المدينة   او غياب آليات تنفيذه.

يحق للمدن التي تمتلك هدفاً واضحاً أن تحترم ولكن يبقى على إدارتها مسألة كيفية تحقق تلك الأهداف من خلال الخطط الإستراتيجية والمشاريع النوعية والمبادرات ذات البعد الشمولي فالتناغم ضروري بين وضع الهدف وآليات تنفيذه وحتى ندرك مدى معرفتنا بالمدن التي نسكنها لنعيد طرح الأسئلة البدائية من جديد ما هو هدف المدينة؟ ومن هم سكانها؟ والإجابات المتعمقة ستكون كافية لمعرفة أين يكمن الخلل في المدن ومن أين يبدأ الحل لهذه المعضلة التي تؤرق إدارات المدن وساكنيها.

تبقى تلك الأسئلة البدائية تعود للمدينة بشكل مستمر ودائم فمعرفة التغير في ساكني المدن يعني تغيراً غير مباشر في هدف المدينة وحتى ندرك فعلياً ما نواجه لنضع إحدى المدن في دائرة الضوء ولتكن مدينة س ولنجيب على الأسئلة البدائية ما هو هدف مدينة س؟ ومن هم سكانها؟ ولنرى على خارطة التوافق مدى اتفاق أهداف سكان مدينة س مع أهداف المدينة نفسها فإذا ما أدركنا أن إحدى الإجابتين غائبة أو غير واضحة بشكل ما فذلك يعني أنها مدينة بلا هدف علي على أرض الواقع ولكنها قد تمتلك قائمة أهداف ضمن وثائق ومستندات ورقية طبعت على ورق فاخر دون آلية تنفيذ فعلية.

تذكرة مغادرة: يقول جورج برنارد شو “الناس الذين يدّعون أن بعض الأهداف مستحيلة التحقيق، يجب أن لا يتدخلوا في محاولات غيرهم لتحقيقها”.

يتعب المرء من كل شيء إلا العلم
جميع الحقوق محفوظة لصالح مدونة الإنسان والعمران