تبقى مشاريع تطوير الأحياء العشوائية والشعبية أو العفوية بصورتها الحالية من إزالة لكل شيء ومساواته بالأرض ومن ثم التطوير من جديد أحد مسببات زيادة الفقر في المجتمعات ويعود السبب في ذلك الى أن غالبية تلك المشاريع تعمل على شراء المباني والمواقع وإزالتها تماماً ومن ثم تعويض أصحابها بالمقابل المادي مما يعني محاولة جعل الملاك يتنازلون عن الأصول المملوكة لهم والتخلص منها مقابل تمويل مالي معين سواء زاد أو نقص ذلك التمويل ولكنه بطبيعة الحال سيبقى مبلغاً محدوداً لن يفي بمتطلبات المعيشة في الموقع الجديد والذي يعني متطلبات جديدة ومستمرة لمحاولة العيش فيه بنفس مستوى المجاورين إضافة إلى أنه يعتبر مسكن مؤقت بسبب أن ذلك التعويض المالي غالباً لا يفي بقيمة تملك المسكن الجديد في موقع مناسب بل سيضطر صاحبه أما للتضحية والسكن بعيداً جداً عن المدينة أو الانتقال لسكن مؤقت والإحتفاظ بالمبالغ النقدية لمواجهة ظروف الحياة المختلفة والوفاء بمتطلبات المعيشة لفترة من الزمن ومن ثم يبدأ بعدها بالإستدانه لتحقيق نفس المتطلبات المعيشية , فالتطوير وأن حدث فهو قد لامس المكان دون أن يكون الانسان جزء منه ولذلك فالأفضل في عمليات التطوير هو إشراك الملاك بنسب معينة من المشروع سواء كان كجزء من التعويض أو ميزة إضافية لضمان تحسن الأحوال المادية له بشكل مستمر ومن الممكن أن تكون تلك النسبة لقاء مهام عمل سواء خلال مرحلة التطوير أو بعد انتهاء مرحلة التطوير وأبتداء مرحلة التشغيل.
أن تلك النسبة البسيطة من المشاركة في رأس المال عبر الجهد أو عبر جزء من الأصول المملوكة قد يكون حلاً مثالياً يعبر عنه برؤية وخطة إستراتيجية لرفع المستوى المادي لسكان الحي العشوائي أو الشعبي لمواجهة منحنى التغيير الذي يوجه لذلك الحي بقصد تطويره .
كما أن عدم وجود رؤية واضحة لما يؤول له الملاك بعد عملية التطوير وضيق الخيارات المتاحة حالياً هو أحد أسباب التخوف من المشاركة فيها أو دعمها من قبل الملاك الحقيقيين للمواقع في داخل تلك الأحياء الشعبية, إضافة إلى أن التطوير لم يضعهم ضمن حساباته فهو لم يأخذ برأيهم في عمليات التطوير نفسها ولم يضعهم في حساباته بعد ذلك.
تذكرة مغادرة : يقول الأديب والروائي عبدالحميد السحار : “ أن فكر فى الله ساعة, فهو يفكر فى شهوات الدنيا ساعات ” .
المعلومة الصحيحة تؤثر في بناء القرار بالشكل الصحيح ولكن المعلومة الخاطئة ينعكس تأثيرها بشكل مضاعف وسلبي على القرار ونتائجه المتوقعة من مشاريع وبرامج وكذلك تتأثر منه بقية المعلومات الصحيحة المتبقية بشكل سلبي للغاية فتتضرر القرارات وتكون سببا مباشراً في فشل الخطط والبرامج وذلك أن سببها الرئيسي هو كمية المعلومات الأولية ومدى صحتها والتي يعتمد عليها القائمين على المدن وهي في هذه الحال لا تتجاوز أن تكون معلومات وأرقام مصفوفة بشكل جذاب إلا أنها في الحقيقة ليست سوى معلومات خاطئة وتقديرات شخصية للقائمين عليها بعيداً عن وجود أي مصدر موثوق لأي معلومة تمس المدينة وكذلك اختلاف وتنوع الجهات المصدرة للمعلومات واختلاف المعايير فيما بينها وكذلك اختلاف مدى أهمية المعلومات بالنسبة لكل قطاع أو منظمة ومع غياب الدور الفاعل للمراصد الحضرية بالمدن وضعف فاعلية وكفاءة القائمة منها وتقوقع المراكز البحثية بالجامعات عن دراسة المدن سوى من دراسات بحثية لا تقدم عمقاً يستطيع القائمين على المدن من الاستفادة منه سوى تكرار لمعلومات أخرى قد تكون هي أيضا خاطئة أو تكون من البديهيات بالنسبة لهم بحكم خبراتهم العملية.
أن مواجهة تلوث معلومات المدن ليس صعباً بل يتطلب تفعيل أدوار بعض الجهات القائمة وحثها على نبذ التباطؤ المصابة به فتلك الجهات لم تعد تدرك الدور المأمول منها بشكل سليم والتي منها بطبيعة الحال الجامعات والتي وأن كانت مثيلاتها في الخارج قد أسهمت في تقديم ما تحتاجه المدن التي تحتضنها من دراسات وأبحاث وأفكار إلا أنها لدينا تعجز عن القيام بأدوارها الأساسية عوضاً عن المشاركة في أدوار أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمدن ولمواجهة ذلك التباطؤ لابد أن يعاد هيكلة تلك الجهات بما يضمن وجود رؤية جديدة للجامعات لتضاف إليها زاوية جديدة هي زاوية المدن والعمل على أن تتضمن تلك الرؤى تحديد طبيعة ونوع المعلومات وتصحيح مسار المعلومات لتكون أكثر دقة ولتشارك في إيجاد مسار لتقييم تلك المعلومات قبيل تقديمها للجهات المختلفة وكذلك تفعيل الدور الحقيقي للمراصد الحضرية لتبني معاً عملاً تكاملياً يكون الهدف منه تصحيح أهداف المشاريع والبرامج التي تصنع لكل مدينة والتي هي اليوم مصابة بالضعف الشديد على عدد من المستويات وأكثر من ذلك ما تعانيه المدن من الانفرادية باتخاذ القرارات بين الجهات بعضها البعض والتي أثرت سلباً في واقع المدن وحياة المجتمع.
بناء القرارات في المدن هو أحد أهم الأمور المؤثرة في حياة مجتمع المدينة ولذلك لابد من المشاركة في تلك القرارات ونبذ الانفرادية فيها وتفعيل الدور المجتمعي للعديد من الجهات والمنظمات بالشكل الصحيح الذي يغطي جوانب مختلفة وزوايا متعددة.
تذكرة مغادرة: يقول الصحفي تشاك بولانيك : “ فكرة أنه لا يمكنني مشاركة مشاكلي مع آخرين تجعلني لا أبالي بمشاكلهم ” .
لا يبدو الأمر غريباً كلياً على مخططي المدن من الاستفادة من التقنية والبرامج الحاسوبية خاصة بعض المهام المسئولين عنها والتي تتطلب جهداً كبيراً في التحليل من أجل اتخاذ القرار السليم المبني على ضوء المعلومات المتوفرة ومع توفر المعلومات تزداد عملية التحليل تعقيداً لتكون النتيجة قرار أكثر دقة وشمولاً وتأثيراً ولذلك يبقى السؤال المهم متى سيكون هنالك نمذجة لمعلومات المدن؟ بحيث تعطي المعلومات بشكل أكثر دقة وتفصيلاً لينتج عنها بيانات وخرائط ومعلومات وقرارات أكثر فاعلية وكفاءة وقدرة على تحقيق التطلعات.
أن ما تحاوله العديد من القطاعات بكل أنانية هو إخفاء ما تملكه من معلومات عن قطاعات أخرى سواء كانت مرجعيتها الإدارية أو موازية لها في الأهمية أو تقديم معلومات خاطئة ومتضاربة لا تكشف حقيقة الوضع الراهن وفي أحسن الأحوال لن تخرج المعلومات المقدمة من تلك الجهات عن قصور ما في نوع البيانات المطلوبة مما لا يمَكن الجهات الأخرى من الاستفادة من المعلومات المقدمة ولذلك تبقى جميع الخطط والمشاريع لغالبية القطاعات في طي النسيان أو التعثر في أحدى مراحلها لأنها لم تبنى على الواقع الصحيح وعلى معلومات صحيحة مفيدة.
المصدر الحقيقي للتطور في المدن المستقبلية مكرس نحو التخيل والذي يتحقق عبر نمذجة معلومات المدن لكونها المرحلة المتقدمة المنتظرة الذي يجب أن تسهم فيه جميع الجهات والقطاعات الرسمية والخاصة من أجل الدفع تجاه تطور المدن وتلافي أخطاء التطوير أو القصور البشري والتطور الذي ننشده للمدن هو تحقيق حق المكان والزمان في أي جزء من المدينة ويبدأ ذلك من اعتبار أهمية للفراغ بإبعاده المختلفة أفقياً ورأسيا واحترام الطبيعة والتعامل مع الواقع سواء كان ذلك الواقع جغرافياً أو بشرياً كما أن نمذجة معلومات المدن تحقق التكامل الذي ينشده الجميع في تكامل الأدوار والصلاحيات والمسئوليات ولا يدع مجالاً لجهة أن تقذف بمسئولياتها على جهة أخرى بل سيكون القصور واضحاً للجميع قبل أن تقع المشكلات والكوارث.
حقيقة أن النمذجة لمعلومات المدن لا تتوقف إسهاماتها لدى تقديم المعلومة بل هي تحقق الاستفادة القصوى من تلك المعلومة وعلى روافد مختلفة تخطيطياً وحضرياً من أجل المدينة ومنها الرافد السياحي بمختلف محاوره ورافد النقل العام ومستويات الحركة المختلفة بالمدينة والذي تحتاج له المدن جميعها وأيضا تقلل من الإضرار البيئية المختلفة سواء الضوضاء أو التلوث بمختلف أشكاله وتسهم أيضا نمذجة معلومات المدن في دعم التوجه العالمي نحو التنمية المستدامة وتفعيل دور الأبنية الخضراء وتكون هي الركيزة الأساسية التي ينشأ عنها التفاعل الذكي بين المكونات المختلفة للمدن مما يفعل دور المدينة الذكية ويحقق الهدف منها كما أنها ستكون سبباً في الحماية وتقليص الأضرار الناتجة عن الكوارث المختلفة وتمكن المستفيد من تقديم القرار الأمثل بحسب المعطيات المختلفة.
المعلومات هي الثروة الحقيقة وهي العنصر الأكثر أهمية في عمليات تطوير وتخطيط المدن وتزيد أهمية المعلومة كلما زادت الجهات المستفيدة منها داخل المدينة ولذلك يجب الحرص دوماً أن لا يكون التفكير منصباً نحو توفير كل شيء وترك الأهم وهو المعلومة الصحيحة وطرق جمعها وإظهارها بالشكل الصحيح والأهم من ذلك كله هو أن تكون قراراتنا مبنية على المعلومات المتوفرة دوماً وأن يكون الهدف منها الاستفادة الفاعلة .
تذكرة مغادرة : يقول الكاتب فرانتس كافكا : ” تنبع كل الخطايا من خطيئتين أساسيتين: التسرع والكسل “.
السؤال المتداول هذه الفترة على طاولة الخبراء هل غرقت المدن أم أغرقت؟ وللإجابة على هذا السؤال بشكل واقعي لابد من إدراك ومعرفة لما يجري في المدن قبيل أن تغرق أساساً وبعد أن تغرق بزمن طويل أما عند غرق المدن لن نجد سوى تقاذف للمسئوليات بين الجهات المختلفة والتساؤل المزعج للمسئولين دوماً ما هي الجهة التي ستتحمل ويلات غرق المدينة هذه المرة؟.
أن واقع طريقة إدارة المدن قبل أن تغرق المدن هو المؤشر الصادق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في معرفة ما حدث فعلاً عند غرق المدن ومدى صدق ما تدعيه الجهات المسئولة عبر بياناتها وتصريحات مسئوليها, كما أن حصر الأخطاء وتحميلها لجهة بعينها وتبرئة الجهات الأخرى أثناء الغرق هو دلالة واضحة أننا لم نتعلم من الدروس المستفادة شيء أبداً وما زلنا نبحث عن النجاح المؤقت الشخصي لبعض المسئولين على حساب المدن ونبتعد كثيراً عن إيجاد منظومة المدينة الناجحة والأدهى من ذلك هو أننا نجد من يحث على الاستمرار في تحقيق النجاحات المؤقتة المرتبطة بالأشخاص لا المنظمات فبينما تستمر المدن في الغرق تستمر الجهات بقذف الكرات الملتهبة بينها عل هنالك من يتقبلها ويصمت لتستمر المأساة في المدن ويستمر غرقها كل عام بسبب مختلف ويغيب عنا أننا لم نستفد أو نتعلم من أولى الدروس المستفادة في أولى الكوارث التي حدثت وهو أن نفكر جدياً في إيجاد رؤية جديدة لطريقة إدارة المدن لا تعترف سوى بالواقع المرتبط بالمنجزات على أرض الواقع وتأخذ قوتها من قدرتها على تنفيذ ما يحتاجه ساكني المدينة ضمن أولويات معلنة للجميع ومرتبطة بجميع القطاعات كإستراتيجية شاملة للمدينة يعمل عليها جميع مسئولي المدينة في وضوح تام وشفافية لا أن تركن كل جهة وتتقوقع داخل منظومتها طيلة الفترة قبل غرق المدينة وعند غرق المدينة تبدأ كلا منها في صياغة الخطابات شديدة اللهجة تارة وخطابات تحميل المسئولية تارة أخرى للجهات المختلفة في تلاسن فج لا يعكس القدرة ولا الإمكانيات التي تمتلكها تلك الجهات ولا الخبرة المتراكمة التي لدى القائمين عليها.
أن الواجب يحتم على مسئولي القطاعات داخل المدينة أن يدركوا أن بقائهم جميعاً في مراكزهم الوظيفية مرتبط بنجاحهم جميعاً وبهذا سيتغير التفكير من محاولة التنافس من أجل الإيقاع بالآخرين إلى التكامل من أجل المدينة والسكان وتحقيق النجاح والتنمية المكانية ولكن ما يبدو عليه الحال أننا بعيدون جداً عن التعلم من الدروس الماضية وأبعد من ذلك تحقيق أي نجاح على أرض الواقع وجل نجاحاتنا هي بعض من قصاصات الصحف والمقالات المطنطنة دون واقع حقيقي.
تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف كارل ماركس ” الضرورة عمياء حتى تدرك وعيها , والحرية هي وعي الضرورة ” .