خصخصة القطاع البلدي، هي بالتأكيد ليست المرة الأولى التي تسمع بهذا المصطلح وبأن عدد من الخدمات البلدية ستتحول إدارتها وتشغيلها إلى القطاع الخاص وبطبيعة الحال يبقى الهدف المعلن هو تحسين الخدمات ولكن حتى نكون واقعيين فأن مآل الأمر لأي خدمة تخصص دون النظر إلى نطاق التخصيص الفعلي هو الفشل الحتمي وذلك لعدة أسباب قد تبدو بديهية جداُ ومن تلك الأسباب أن الجهات المشغلة كمستثمر تدار بعقلية وثقافة مختلفة عن عقلية وثقافة العمل البلدي وسبب آخر في أن الشركة المشغلة ستقدم خدمة بلدية ولكنها ستكون بين مطرقة البلدية التي تشرف على أعمالها و لجأت إلى خصخصة الخدمة ولم تستطع تقديم ذات الخدمة المأمولة مع كافة الإمكانيات التي أتيحت لها وفي بعض الأحيان فشلت تماماً في تقديم الخدمة كلياً وبين سندان الحاجة المتزايدة إلى الخدمات البلدية مما سيضع الشركة المستثمرة في مسار ينبئ عن الفشل والمخاطر العالية ولهذا يبتعد القطاع الخاص عن الإستثمار في الخدمات البلدية والسبب البديهي الأخير هو أن العمل البلدي مترابط ومتشابك لحد صعوبة فصل الخدمات كلياً عن بعضها البعض.
أن التفكير في إسناد بعض الخدمات البلدية إلى منظمات مؤهلة ومتخصصة في إدارة المرافق والذي أصبح اليوم علماً قائما ومعرفة متزايدة سيحقق نجاح لهدف خصخصة العمل البلدي من أجل وضع أسس لتحول البلديات لتكون هذه المنظومة نواة لإدارة المرافق العامة ضمن نطاقات جغرافية محددة ولتساعد هذه الطريقة في تحسين القطاع البلدي في التخلص من عباءة الدور التشريعي تارة والدور التنفيذي في المدينة تارة إلى بناء دور إشرافي متخصص يؤهل مؤسسات وجهات من القطاع الخاص والقطاع غير الربحي لإدارة المرافق العامة لصالح القطاع البلدي.
الطريقة المثلى لإنجاح خصخصة القطاع البلدي ليست من خلال تحويل خدمة ما ليتم تقديمها من خلال المستثمر التجاري بل تحويل الجهاز البلدي كلياً في نطاق جغرافي محدد من كونه جهاز حكومي يقدم خدمات متعددة إلى منظمة عمل لإدارة المرافق العامة وتشغيلها ضمن النطاق الجغرافي المحدد سلفاً مقابل رسوم رمزية لقاء تحقيق الخدمة ولكن دعونا لا نتفاءل كثيراُ في الطريقة الصحيحة لخصخصة القطاع البلدي وبناء النموذج الإقتصادي للبلديات والذي قد يحكم عليه بالفشل بسبب أخطاء إدارية قاتلة مثل تعميم التجربة فإذا ما تعامل القطاع البلدي مع هذا النموذج النظري على أنه أمر مسلم به يلزم تعميمه على كافة البلديات في كافة المناطق دون تحسين وتطوير لن يتحقق شيء ولذلك يجب أن يخرج النموذج التجاري للبلديات من مظلة التعميم إلى تخصيص التجربة وتحسين وتقييم النتائج على ضوء مخرجات العمل ونتائجه وضمن مؤشرات لا يمتلك القائمون عليها حق تغيير النتائج لتظهر الصورة على حقيقتها.
تذكرة مغادرة : يقول ألدوس هكسلي “يمكن التغلب على معظم أشكال الجهل، لكننا لا نعرف لأننا لا نود أن نعرف”.