بأي لغة تتحدث المدن؟

يتبادر إلى الذهن دوماً تساؤلات مهمة وخفية عن المدن وأحد أهم تلك التساؤلات المحيرة فعلياً والتي لا يحق لي الإجابة عنها بتسرع هي كم عدد اللغات التي يتحدث بها البشر في مدينة ما حول العالم وما هي اللغة الأصلية لكل مدينة وما هي اللغات التي اندثرت منها وما الذي بقي وما اللغة المشتركة العامة بين جميع البشر في هذا العالم المتسارع ودوماً ما أبحث عن حقيقة ما هي لغة أي مدينة فعلياً وما اللغات التي تجيدها المدن؟؟, تساؤلاتي دوماً ما تقف عند حقيقة أن بعض المدن لغتها تقتصر على لغة واحدة فقط أو لغتين وأحياناً لا تخرج عن نطاق لهجة واحدة فهل من الطبيعي أن نطلق لقب مدينة على مكان لا يتحدث ساكنيه سوى بلغة واحدة؟ نحن نعلم أن المدن بطبيعتها هي مكان التقاء واجتماع البشر باختلاف ثقافاتهم وأفكارهم وبيئاتهم وأهدافهم ولكن ما انعكاس ذلك على المدن.

لقد قرأت يوماً أن مدينة لندن يتحدث ساكنيها وزوارها بحدود ثلاثمائة لغة مختلفة فهل تكون لندن هي المدينة الأولى التي تحقق ذلك وهل هنالك غيرها من المدن التي يتحدث ساكنيها بعدد كبير من اللغات وهل كلما ازدادت المدينة قربا من البشر ووجدوا فيها ما يفتقدونه من مدنهم في مدينة حققت لهم جزء من احتياجهم الإنساني وحنينهم إلى مدنهم استمروا بالبقاء بها أكثر والتعايش فيها بسلام وطمأنينة.

المدن العالمية بالنسبة لي ليست تلك المدن التي يكون عدد سكانها مهولاً ولا تلك المدن التي تؤثر بالاقتصاد والسياسة بل تلك المدن المتعددة الأطياف والثقافات من خلال ساكنيها وهوياتهم وملامحهم وأفكارهم وأهدافهم ولغاتهم والأهم ثقافتهم والتي هي العنصر الأهم في المدن العالمية فلا يصح أن تبقى المدن في نطاق ضيق ومحدد بنوع واحد من البشر وبطيف واحد دون بقية الأطياف وبطريقة واحدة من المعيشة والتفكير والعمل والأهداف بل يجب أن تكون منفتحة حاضنة لكل الثقافات المختلفة واللغات البشرية المتعددة تحترم كل لغة وتقدر متحدثيها وتوفر لهم فرصة المشاركة بالبناء والاستمتاع بالمدينة دون أن يكون هنالك قيود من أي نوع وخاصة قيد اللغة الذي يجبر الكثيرين دوماً على ضعف المشاركة لعدم القدرة على التواصل البشري الطبيعي من خلال التحدث .

تذكرة مغادرة : يقول إميل سيوران :“ لا يسكن المرء بلاداً، بل يسكن لغة. ذلك هو الوطن ولا شيء غيره ” .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :