التخطيط العمراني والسلوكيات العدائية

أن عودة المدن لتكون حاضناً للمجتمع لتسهم في تطويره ليس بالشيء السهل خاصة مع تلك المدن التي قامت وبنيت على نموذج واحد يغذي طبقة واحدة بالمال جراء الجشع لقاء ما تأخذه الطبقات الأخرى من أمراض مزمنة ومشاكل اجتماعية ومادية اثرت سلباً لتكون نموذجاً من السلوكيات العدائية تجاه كل شيء وهنالك يجب أن تبدأ عمليات تطوير أنظمة التخطيط العمراني لجعلها في خدمة الأنسان وإلا لن تتوقف يوما المدن عن إظهار تلك السلوكيات السيئة والعدائية باعتبارها وعاء للعديد من الثقافات والبيئات المختلفة والتي انحدرت من شتى بقاع الأرض .تبقى المدن المتطورة دوماً تقدم مفاهيم جديدة تعبر بها عن مكوناتها المختلفة وأكثر تلك المدن تطوراً هي الأكثر قبولاً بالتغيير وأكثرها امتزاجا مع مكوناتها المختلفة فالتغيير كنموذج إداري يعتبر من أصعب النماذج قبولاً بين الأفراد ويواجه دوماً مقاومة بحسب نوع وطبيعة التغيير أما التغيير الذي يطال المدن يجد له مقاومة قد تكون غير ظاهرة للعيان في أطارها العام ولكنها تظهر بشكل جلي في مكونات المدينة وبشكل واضح من خلال أفراد المجتمع فلا أوضح من ذلك من سلوكيات مجتمعات المدن والتي تواجه بكثير من النقد والسخط والتأفف خاصة وأنها أزدادت بعد سيطرة عدة عوامل حديثة مثل السرعة والتقنية على نموذج تطور المدن والتي بطبيعة الحال يواجهها المجتمع بصفته المتأثر الأول ضمن مكونات المدن ولكن كيف تؤثر أنظمة التخطيط العمراني في جعل ذلك التغيير حاداً وقاسياً على المجتمع , أن المطلع على التخطيط العمراني في مداه الشامل يعلم أن المعني بتطور المدن وتوجيهها هو من أجل خدمة الانسان فيها ومتى لم يكن الأنسان هو مقصد ذلك التطور والاعتناء والتوجيه حضرت كل تلك الضغوطات العسيرة والتي تفرز العديد من السلوكيات العدائية بين أفراد المجتمع بعضه البعض , فمثلا تأخر انظمة التخطيط العمراني عن وضع خطة استراتيجية للنقل العام في مدينة يتجاوز عدد سكانها المليوني نسمة وكذلك التأخر في استحداث وسائل نقل عام أخرى مساندة لمنظومة وسائل النقل العام وازدياد زمن الرحلات اليومية في تلك المدن ليتجاوز الساعة والساعتين هو بحد ذاته خطر جداً ومؤشر لا يمكن إغفال جوانبه السلبية على ساكني تلك المدن بشكل عام وكذلك الجوانب السلبية الأخرى نتيجة هدر الوقت والطاقة معاً وكذلك تفعل أنظمة التخطيط العمراني حينما لا تعرف المدن سوى شكلا واحداً من الترفيه فيضجر الساكنون منه لتصبح المدينة معتادة على ذلك التضجر الذي يمكنك أن تقرأه وتراه في كل الوجوه بتلك المدن وحينما تغفل أنظمة التخطيط العمراني حاجة الانسان في المدن الى الحركة بأمان ضمن نطاقات الاحياء السكنية كذلك فلا تكاد تجد مواقع مخصصة لممارسة أنشطة إنسانية بشكل طبيعي سوى من بضع حدائق مشتتة لا تستوعب ساكني الحي نفسه عوضاً عن الزائرين لها من الأحياء التي لا تتوفر بها مثل تلك الحدائق والتي لا تحقق متطلبات أي فئة من المجتمع بشكل وافي وأن كانت هنالك فئة واحدة من المجتمع وهم الاطفال يستخدمونها نظير وجود بعض الالعاب فيها إلا ان السبب لاهتمامهم بها لعدم معرفتهم بوجود البديل الأفضل وكذلك فأن تصميم تلك الحدائق ومواقعها ضمن الأحياء السكنية يصعب معه ترك الحرية للأطفال في الحركة داخلها عوضاً عن الوصول لها من أطراف الحي لأن أنظمة التخطيط العمراني أغفلت مسالة الحركة المرورية وسرعة الطرق المحلية والداخلية ووضعتها محل تقدير قائدي المركبات أنفسهم والسائقين تحت التدريب فكثرت بذلك حالات الدهس دون سبب فلم تنجو تلك المدن من أن يكون لها نصيباً من يطلق عليها المدن الأكثر في عدد الحوادث المميتة على مستوى العالم والمدن الأكثر إصابة بالإمراض المزمنة ولتبقى أصابات الحوادث المميتة لدينا ضمن أعلى المعدلات في العالم وبالطبع لا يمكن تجاهل ما أصاب المدن من أنواع مختلفة من التلوثات كالتلوث البيئي والبصري والسمعي ومدى الضجيج الذي أسهمت به ضعف أنظمة التخطيط العمراني في ارتفاع معدل الضجيج عن المعدل الطبيعي من خلال أمور متعددة يعتبر أحدها ما أسهمت به ضعف أنظمة التخطيط العمراني من قبول تحويل الطرق المحلية بين الأحياء أو الداخلية فيها الى محاور تجارية بالنظر لعامل واحد وهو عرض الطريق ولأهداف ليست لها علاقة بالإنسان بل بتغذية بعض السلوكيات العدائية مثل الجشع على سبيل المثال.

تذكرة مغادرة : يقول غاندي: “تقدم الأرض ما يكفي لتلبية حاجات كافة البشر، ولكن ليس بما يكفي لتلبية جشع كافة البشر.”

شارك الصفحة مع الأصدقاء :

نُشِّرْت في 

ضمن

للكاتب