السياسات التخطيطية للمدن وحجم الضرر على القيم المجتمعية

أحد أهم عوامل تخطيط المدن هو دراسة المجتمع الذي سيخطط له ودراسة كيفية تعامله مع الأنماط التخطيطية المختلفة واستيعاب درجة تقبله لها لهذه الأنماط فمجتمعنا المحلي يلاحظ عليه هو محافظته على عدة قيم مجتمعية لم تعد المدن الكبرى توفرها له بشكل مرضي ولم يعد يستطيع أن يوفرها الأفراد لأنفسهم الا ما ندر فمن تلك القيم المجتمعية مثلا الخصوصية والمساحات الشاسعة للبناء وتعدد الغرف على مستوى الأسر الكبيرة ومنازل الضيوف وغيرها المرتبطة بنوعية البناء والتي أصبحت تشكل عبئا اقتصاديا على المجتمع اذا ما قارناها بتكلفة سعر المتر المربع في بعض المدن الكبرى وهو رقم يتجاوز الاربع خانات بكثير , لذا فأن مثل هذه القيم المجتمعية هي مؤشر مهم يمكن للمدن الصغيرة أن تكسبه ليكون لها عامل جذب ليتم البدء في تخطيطها بناء عليه , ولكن المؤسف أن تجارب النمو والتطور في المدن الصغيرة حاليا تفشل بسبب أن تلك المدن تنشأ على أسس استثمارية بعيدة المدى لصالح تجار العقار مما تسبب بالأخلال بعملية التوازن الطبيعية في مسالة العرض والطلب بين سكان المدينة الصغيرة وليؤدي ذلك الى ارتفاع أسعار الاراضي دون أي مبرر لهذا الارتفاع سوى أنها عملية عقارية بمعنى تجفيف الأسواق العقارية من العروض والذي سيشكل في نتيجته النهائية نموذجا مصغرا من المدن الكبرى يحمل نفس أخطاءها ومشاكلها لينتج لنا مدنا أخرى طارده لمجتمعاتها ويخلق لنا عملية مقارنة بسيطة من ناحية تكلفة البناء بين المدن الصغيرة او الانتقال والهجرة للمدن الكبرى والبناء فيها فتترجح بذلك كفة المدن الكبرى لعدة عوامل مختلفة منها توفر الخدمات العامة ولو بمستوى أفضل من الخدمة وبنفس التكاليف المادية.

أن كل ذلك يعود سببه لرؤية ضيقة وقرارات خاطئة ومصيرية تتخذ بحق هذه المدن الصغيرة فتعامل معاملة المدن الكبيرة من حيث سياسات العرض والطلب للأراضي التجارية والسكنية وكذلك لا تجد تلك المدن الصغيرة الحوافز الكافية المختلفة لإبقاء سكانها او تفعيل دور الهجرة العكسية لها ومع ذلك فإغفال جوانب عديدة وهامة جدا كالمحافظة على التركيبة السكانية للمدن الصغيرة والنسق المعمارية والحضارية وكذلك مدى توفر الفرص الوظيفية او التمكين منها ضمن هذه المدن سيحد من نمو تلك المدن الصغيرة لصالح أن تكون المدن الكبرى متمددة بشكل ضخم جدا.

ان سبب كل ذلك هو اسلوب التعامل الوحيد لنا مع مستويات التخطيط المختلفة لكافة المدن الكبيرة والصغيرة اذ يعني ذلك ان لا نجعل المدن الصغيرة صورة طبق الاصل من المدن الكبيرة بل يعني ان نفكر بشكل مختلف عند كل مدينة وقرية وهجرة وان نستفيد من تلك العوامل والفرص التي تملكها هذه المدن والقرى ولا تتوفر لغيرها ونحث على الاستفادة من الخبرات المحلية لذلك .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :