العمارة الوظيفية في التراث العمراني

ما شدني كثيرا للكتابة عن العمارة الوظيفية في التراث العمراني هي قراءتي المتعددة في مفردات العمارة التراثية لمناطق المملكة العربية السعودية المختلفة وكذلك الاطلاع والزيارات على العديد من المباني التراثية ولما أجده فيها من تفصيلات معمارية تعاملت بنسق وأوٌجدت بشكل وظيفي يتناسب ويتمازج مع البيئات المختلفة مع ان لكل من المفردات المعمارية وظيفة محددة وخصائص معروفة الا إنها كذلك أصبحت جزء من الملامح التي تعبر عن حس  وذائقة عالية وإتقان في العمل بالإضافة الى تعبيرها الصريح عند القدرات التي بلغتها المجتمعات السابقة في تطويع المواد الأولية وتطويرها بما يتناسب مع الحاجة الوظيفية لها وأن كان الجمال الكامل والكامن فيها الى اليوم هي استخداماتها المتعددة وظيفيا .

فالعمارة الوظيفية التي نستلهمها اليوم من المباني التراثية في مدننا سواء في العمارة النجدية او الحجازية او الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر للمفردات المعمارية وجب ان نعيد دراستها وتمحيصها وإعادة التفكير فيها بنطاق أوسع وأعمق بما يحقق لنا الاستفادة من تطويع المواد الأولية المتوفرة لنا اليوم من الطبيعة وبما يحقق الوصول بنتاجنا العمراني الى القمة الابداعية التي كنا عليها تاركين لمن يأتي بعدنا تطورا عمرانيا أصيلا نحقق به درجة سمو وعلو في سلم الابداع العمراني نافضين عن أنفسنا كمتخصصين ملامة بقاء الوضع العمراني بالمملكة العربية السعودية بهذه الصورة الباهتة, وكمثال من العمارة الحجازية الغنية بالمفردات المعمارية التي اختار منها الرواشين على سبيل المثال والتي تتزين بها واجهات المنازل الحجازية قديما والموجودة من مدينة ينبع شمالا الى الطائف جنوباً ومع انها تحمل نفسه الهوية والوظيفة الرئيسية الا انها تتمايز كثيرا في ما بينها بتأثيرات مختلفة كمواد بناءها على سبيل المثال بالدرجة الاولى وكذلك اختلاف نوع الزخرفات المستخدمة والذي خلق لنا تنوعا جميلا ومبدعا وتفردا وهوية وشخصية للروشان لكل مدينة من المدن ولكل مبنى من المباني التراثية الا ان مثل هذه المفردة مع معرفتنا بأصول صنعتها لم تعطى الوقت لاستخراج كل ما لديها فمازال بالإمكان ان نبدأ في تطويره وتعميق دراستنا حياله وتطوير استخداماته والاستفادة منه وظيفيا في المباني الحديثة بخلاف الصورة الباهتة التي ظهرت عليها في بعض المباني ممن أعادوا مطوروها وملاكها استخدام الروشان كشكل فقط دون وظيفة حقيقية له ضمن المبنى تظاهرا بالأصالة الزائفة التي لم تحقق عائدا اضافيا بل قد تكون تسببت بالضرر الكبير في المفهوم العام للروشان واستخداماته جراء الخلط بين الجماليات المعمارية للمباني الحجازية والمفردات المعمارية الوظيفية وبالأخذ بمفردة معمارية أخرى من العمارة الجنوبية لمنطقة عسير مثلا والتي استخدمت الطين والحجارة كمواد أساسية للبناء بها وأشجار العرعر أو الطلح أو الزيتون او السمر للأسقف والتي تعتبر مواد أوليه شاحبه المنظر في مجملها الا أنه من الملاحظ في منطقة عسير ان هنالك اهتمام عالي جداً في تزيين المباني بعد اكتمالها بالنقوش والزخارف والرسوم والخطوط والاشكال الهندسية المختلفة باستخدام الالوان وأحجار المرو من الداخل والخارج فضلا عن طلي الابواب والنوافذ بالقطران وكما كان يرسم على بعضها لوحات جميلة بألوان مختلفة وتلون الأسقف والسواري كذلك بألوان متعددة واهتمام خاص بطلاء الأقسام العلوية للمباني والنوافذ بالألوان الزيتية البيضاء والزرقاء .

 أن هذه المفردات المعمارية والجمالية التي كتبت عنها وسواها الكثير والكثير والتي بلغت حد النضج في زمنها تفتح أفاقا لنا في سبيل إعادة التعلم منها وتطويرها ليتحقق بها تطور مستقبلي طبيعي جذوره هو تراثنا وحاضره هو ما نصل إليه من حضور هذه المفردات المعمارية التراثية في مبانينا الحديثة بشكل وظيفي حقيقي بعيدا عن استخدامه كشكليات فقط .

أمنية : نملك أرثا وتراثا نفتخر به ,, وآمل ان نفاخر به أكثر حينما نستعيده بشكل وظيفي .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :