بداية الهجرة العكسية

تستمر المدن الكبيرة في جذب الكثير من قاصديها للاستفادة من الخدمات الأساسية التي تقدمها لهم تلك المدن ولا يتحصلون عليها بداخل مدنهم ومحافظاتهم الصغيرة فالتوازن في تقديم الخدمات المختلفة لم يكن في الحسبان كثيراً خلال مراحل سابقة من التنمية ولم يهتم لأمره إلا في السنوات الأخيرة القليلة لوحظ أن هنالك تغير في الاهتمام وأن هنالك اهتمام بتقديم الخدمات العامة الأساسية فقط كالتعليم والصحة والنقل إلا أن ذلك الاهتمام والجهد مع عدم توازنه مع إيجاد خدمات أخرى أكثر أهمية في هذا العصر وفتح مجالات وظيفية أمام الخريجين والخريجات مع الجامعات المتعددة التي أنشئت في كل تلك المدن والمحافظات الرئيسية دعما للاستقرار فيها وكما أن مجال التعليم أساسي إلا انه من الضروري أن تكون المدن والمحافظات قادرة على أن تستوعب كل تلك الأعداد القادمة من الجامعات والكليات فيها وتوفر من الفرص الوظيفية المناسبة لهم بحسب تخصصاتهم التعليمية والفنية والتي ستعزز بشكل أساسي من نمو المدن والمحافظات الصغيرة إلى جوار الاستفادة من الموارد الطبيعية المختلفة والتي وهبها الله عزوجل لكل جزء من هذه الأرض المباركة.

أن التفكير العميق في دراسة تطور هذه المدن والمحافظات المتوسطة والصغيرة يضعنا أولا أمام تحقيق وتأكيد أننا لا نرغب في تكرار أخطاء المدن الكبيرة بجعل المدن الصغيرة والمحافظات على صورة مكررة من المدن الكبيرة بصورتها الحالية والتي يتعايش ساكنيها في ظل وجود قصور كلي في العديد من الخدمات العامة والأساسية وتأخر في تحقيقها على مستوى المدينة بجميع أجزاءها.

أن التعويل على الهجرة العكسية سيعتمد بشكل كبير على تحقيق عدة أمور ولكن تحقيق عوامل الاستقرار الأساسية هو الأجدى في هذه المرحلة بيد أن تخرج المدن المتوسطة والصغيرة من مسار التطور الذي تسير به متتبعة للمدن الكبرى إلى مسار تطوير خاص بها يركز على عدة عوامل ترتبط بالمكان نفسه سواء كانت المدينة أو المحافظة أو القرية الصغيرة لتدرس احتياجات المكان وتتعرف على موارده ونقاط القوة والضعف فيه لتقوم بعد ذلك بعمل خطط تطوير فريدة قد تتقاطع مع المدن الأخرى المجاورة لها ولكن بالطبع لا تتشابه في كل شيء تحقيقاً لهوية مختلفة بحسب طبيعة كل مدينة ومحافظة فالهجرة العكسية هي بطبيعتها خطوة لاحقة للعديد من الخطوات الجادة والتي يجب أن تبادر لها القطاعات الحكومية بالتعاون مع القطاع الخاص لتهدف إلى وضع خطط إستراتيجية تسعى من كل ذلك إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي للمكان عبر موارده المختلفة والتي منها الإنسان بالطبع ولا تندفع في الطريقة المعمول بها اليوم وهي تحقيق الحد الأدنى من الخدمات الأساسية فقط وحتى يتحقق لنا عامل الاستقرار الذي ننشده في سبيل حدوث الهجرة العكسية بشكل فاعل وتتفرد بذلك المدن المتوسطة والصغيرة والمحافظات الأخرى بالريادة في مجالات جديدة تستند فيها على الموارد المكانية والبشرية لها.

تذكرة مغادرة : يقول نيلز بور : “ كم هو رائع أن نتصادف مع معضلة، فالآن فقط نستطيع أن نأمل في تحقيق بعض التطور” .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :