عشوائية التخطيط العمراني

عشوائية التخطيط العمراني !! نعم ,, هو تخطيط ولكنه يتسم بالعشوائية وعدم الانضباطية فلا مجال لقراءة نمط تخطيطي مستمر بل أشبه بتحقيق الأمنيات والأحلام للعقاريين منها لأن تكون تخطيطا عمرانياً ,, أو هي آفة تخطيطية أصيبت بها مدننا والسبب فيها مطامع العقاريين الجشعة فبداية بالاحتفاظ بالأراضي داخل المدن لفترات طويلة ولعقود من الزمن لأنها “لا تأكل ولا تشرب” الا ان الجشع يستمر كذلك حينما تخطط الأرض فالاستمرار في البحث عن مصلحة المالك أو المطور بغض النظر عن المجاورين يعتبر إجحافا صريحا في حقوقهم كما يستمر تأثير الأراضي البيضاء على الخدمات والطرق والحركة المرورية داخل الأحياء وعلى تخطيط الاحياء والضغط على شبكات البنية التحتية والخدمات وقائمة التأثيرات التي تطول في ذلك والتي يعتبر بعضها تأثيرات تشكلت من خلال تفاقم  بعض المشاكل التخطيطية واختلاطها بأخرى.

ما كتبته بالأعلى هي قصة قصيرة تتكرر في مدننا جميعها والتي أصبحت تئن تحت وطأة جشع العقاريين وتخاذل النظام التخطيطي العام لأنظمة التخطيط العمراني عن إيقاف مثل هذه التخبطات واستمرار العبث في مقدرات المدن ومستقبلها وأكثر الخطوات إيجابية كانت وضع حلول تجميلية لا يدوم تأثيرها أكثر من مدة المشروع نفسه .

مدننا اليوم تحتاج الى فكر استراتيجي جديد يتغذى من خلال رؤية ورسالة تعبر عن رفاهية المواطن وعلى الاهتمام بالمجتمع وبالموارد الطبيعية للمدينة وليس من خلال إفادة القلة من الملاك العقاريين هنا وهناك , فنحتاج على مستوى التخطيط الى استبدال التنظيمات الحالية والتعليمات العامة والمبهمة الى تنظيمات اكثر فعالية وانضباطا وتفصيلا والى ضبط تفاصيل المخططات الاستراتيجية للمدن لتكون اكثر تحديدا لا تركها للمخططات الحضرية التي لا تعالج مشاكل المدن سوى في نطاقها المحدود مما يضر بالمخطط الاستراتيجي ولو كان ذلك على حساب درجات التخطيط فالمتخصص في التخطيط العمراني الذي يعمل على تحديثات المخططات الاستراتيجية للمدن يستطيع تحديد حجم الإضرار الحاصل بالمخططات الاستراتيجية جراء تنظيمات وتعديلات المخططات الحضرية الهزيلة .

وما دمنا نتحدث عن عشوائية التخطيط وليس بيدنا رفع الغمة عن مدننا من عذابات الانظمة التخطيطية البالية والمهترئة التي تمارس بها والتي أصيبت بها وبعيوب الترقيع من خلال أنظمة التعاميم اليومية الصادرة من كل حدب وصوب لابد وأن نمارس كمهندسين تخطيط عمراني دورا حقيقيا في الحديث عن المعايير التخطيطية ومدى مناسبتها لمدننا والأولى هو البدء في تحديد وتطوير المعايير التخطيطية لتتناسب اولا مع المجتمع المستفيد ومع البيئة المحيطة الخارجية والداخلية وكذلك حداثتها حسب المفاهيم العمرانية الحديثة فغالبية الخدمات العامة والبنى التحتية اليوم لم توفر الحد الأدنى من الخدمة فالمدينة التي لا تخدم ساكنيها وروادها وزوارها ولا تلبي احتياجاتهم هي أشبه بالسجن المفتوح الذي لا يختلف أثنان ان أقرب فرصة للابتعاد عنه ستكون ذات أولوية عليا وبدون تفكير ,, أما اذا استفسرت عن حجم نمو المدن وازدياده لدينا ماذا يعني ؟ سيكون ردي الا تتفق معي ان لا مكان آخر يتناسب مع الاحتياجات الانسانية لنا يُذهب إليه سوى هذا السجن المفتوح !! إلا ان هذه المدن هي أقل مرارة من معيشة القرى التي هي أشبه بأن تكون رحلة للمجهول .

شارك الصفحة مع الأصدقاء :