المدن والحضارات

المدن كما نعرفها اليوم لم تظهر من العصور القديمة ومنذ بدء الخلق من العدم وكان لكل مدينة أسباب مختلفة ومتعددة لنشأتها وظروف مؤاتية لذلك فمنذ ذلك الحين والحضارات الإنسانية المتعاقبة تتوارث هذه الأرض وقد أورثت كل حضارة لمن بعدها فكراً وعلماً وتجارب إنسانية مختلفة تستمد دوماً أفضل ما لدى من سبقوها من الأمم والحضارات فتضيف عليه من خلال تجاربهم وعلومهم كأفضل الممارسات والتجارب على ضوء العلوم والمعارف الإنسانية المختلفة التي أتيحت لكل حضارة وأمة من الأمم.

تتقدم المدن تارة زمنا طويلاً وتجد الفرصة لذلك وتتراجع تارة أخرى كحال غيرها من الأشياء لا تبقى على وتيرة واحدة فبعض تلك الحضارات قد تزامنت في العصور المختلفة وتبادلت الثقافات والمعارف والعلوم مما أتاح لأفضلها فكراً وعلماً بالازدهار والنمو والبقاء.

كل تلك الحضارات وصلت إلينا في حاضرنا عبر نتاجها من علوم ومعارف وتراث وآثار تحمله لنا تلك المدن والأحياء القديمة وفي كل جزء منها .

لم تبقى من بعض تلك الحضارات الإنسانية إلا النذر اليسير الذي وصلنا وحافظت عليه الأجيال المتعاقبة التي توارثت سكنى تلك المدن وأضافت عليها ما استحسنته كنتاج طبيعي لعلاقة الإنسان بالبيئة المحيطة من حوله .

تلك البيئة المحيطة التي كانت ركيزة في نشأة المدن وتطورها وأن تجاهلها الإنسان تارة وأهتم بها أخرى إلا أن وجودها ضمن الحضارات الماضية أمر لا يمكن إنكاره فتداخلت المدن مع البيئات المحيطة وأخذت منها ما تحتاجه واحتُرمت تلك البيئات من القائمين على المدن فلم تكن هنالك جُرأة على الطبيعة كما نشاهدها في وقتنا الحاضر .

وإضافة إلى ما تسببه وتأثرت به المدن من الكثير من التجاذبات التاريخية والتي تخص طبيعة الإنسان بشكل أساسي والتي غالباً ما يطمح للاستحواذ والتملك فكان لابد من حماية المدن وساكنيها من تلك المطامح والمطامع لدى الآخرين فأثر ذلك في اختيار مواقع المدن وشيدت من حولها الحصون العالية والقلاع القوية وقد صممت المدن في عدة حضارات على هذا الأساس.

كما أثرت في تاريخ المدن والحضارات الطبيعة المكانية لمواقع اختيار المدن فاختيرت المواقع القريبة من مصادر توفر المياه الدائمة سواء الآبار أو الأنهار أو البحار ولا أدل من ذلك من قصة بئر ماء زمزم وحجم تأثيرها على نشئت مكة المكرمة وعلى طرق التجارة القديمة والتي كانت هي الأخرى سبباً وعاملاً هاماً ومؤثراً في نشأة المدن .

أضف لذلك تأثر تاريخ المدن والحضارات بقدرة الإنسان التي وهبها الله عزوجل له على الاستلهام من الطبيعة المحيطة به وقدرته على الاستخدام لعناصر متعددة منها كالجبال والأشجار المختلفة والصخور والأحجار وتطويعها من أجله ولعدة استخدامات مختلفة سواء في العمران كإنشاء المساكن أو دور العبادة أو في الأمور الحياتية الأخرى وكما أن هنالك أسباب عامة أثرت في تاريخ المدن والحضارات كانت هنالك أسباب أخرى خاصة ببعض المدن بشكل حصري فكانت ذات تأثير هام جداً ببعض المدن فلم تتشابه هذه الأسباب في تلك المدن مع غيرها من المدن فمسارات الحجاج الوافدين لأداء فريضتي الحج والعمرة وما فرضته عليها من حتمية إتباع مسارات محددة تتوفر بها مصادر المياه وتأثير مسار عين زبيدة في نشأة بعض القرى والمدن بالقرب منها  فذلك التاريخ وتلك العوامل التي أثرت بالمدن في نشأتها واستمرارها قد لا تؤثر تلك العوامل في وقتنا الحاضر لاختلاف التقنيات وتوفر الوسائل البديلة ولكنها تبقى من عوامل النشأة المهمة في تاريخ المدن.

تذكرة مغادرة : يقول الفيلسوف مصطفى محمود رحمه الله : (( هناك مهمة ورسالة وتكليف , كل منا ينزل الى الأرض وفي عنقه هذا التكليف .. أن يضيف طوبة جديدة الى القلعة الحصينة التي بنتها الحياة لتتحصن فيها وتقود منها التاريخ وتسوس الكون والطبيعة لصالحها ونحن مزودون من اجل هذه المهمة بكافة الأدوات الضرورية , بالعقل والإرادة والإصرار ، ومزودون بتراث من العلوم والمعارف والخبرات. ))

شارك الصفحة مع الأصدقاء :

نُشِّرْت في 

ضمن

للكاتب